لم تمرّ ذكرى 14 شباط هذا العام مرور الكرام، إذ تميّزت بإطلالة شخصية لرئيس تيار "المستقبل" النائب ​سعد الحريري​. بداية، لا بد من الاعتراف بأن هذه الخطوة التي اقدم عليها الحريري كانت ضرورية ليس فقط بالنسبة إليه، إنما بالنسبة الى مجمل قوى 14 آذار، ولعلها كانت المخرج الوحيد الفعلي لمحاولة لمّ الشمل والخروج بصورة جامعة تضم قادة الصفّ الأول في هذه القوى بدل الاكتفاء بمندوبين وممثلين.

وبحضوره شخصياً احتفال الذكرى الحادية عشرة على اغتيال والده الشهيد ​رفيق الحريري​ في البيال، سحب الحريري الإبن الذريعة من كل زعماء قوى 14 آذار بالاعتذار عن المشاركة شخصياً، وهذه كانت حال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس الجمهورية السابق أمين الجميل وغيرهما... هذه كانت اولى الثمار التي حصدها رئيس التيّار الأزرق في حضوره شخصياً الى بيروت.

ثمرة أخرى قطفها ايضاً خلال الاحتفال، بالامكان تسميتها بـ"الصلحة" بين أركان البيت الواحد في تيار المستقبل، فعودة الحريري بـ"طنّة ورنّة"، كانت أساسية من اجل اعادة التأكيد على مرجعيته الوحيدة في التيار وعلى ان من يريد الخروج عنها عليه اعادة حساباته. وبالفعل، كان اللقاء مع وزير العدل اشرف ريفي والنائب خالد الضاهر يصبّ في هذه الخانة.

الثمرة الثالثة التي وضعت في سلّة الحريري كانت التفاعل الشعبي معه، هو امر كان بحاجة اليه من اجل اعادة الاعتبار الى صورته والى صورة تيار المستقبل بشكل عام، ولعل مخالفته توصية وزير الصحة وائل ابو فاعور القاضية بـ"التخفيف من التقبيل"، لم تأت عن عبث وجسّدت الحرص على اعادة العلاقة مع القاعدة الشعبية، فكان أن حرص على المصافحة الفردية والقبلات الحارّة واخذ "السلفي" للتعويض عن الغياب الطويل، والقول لمؤيدي التيار ان الرأس لا يزال سليماً وقادراً على القيام بكل مسؤولياته.

اما الثمرة الرابعة فتمثلت بالصورة الختامية التي حرص الحريري على اخذها مع مسؤولي قوى 14 آذار، وحسب قوله للتأكيد على بقاء هذه القوى وحضورها، وكان توسطه أركان هذه القوى دليل اضافي على انه المحور الذي يربطهم معاً.

هذا من حيث الشكل، امّا من حيث المضمون، فكلام آخر. ثابتة وحيدة بقيت في كلمة رئيس تيّار "المستقبل" وهي انتقاد حزب الله ومواقفه وخصوصاً في ما يتعلق بسوريا والسعودية، وهي ثابتة لا بد منها لشدّ العصب والقول ان ما يمثله ومن يمثّله سيبقون من اجل الوقوف في وجه الحزب وايران، وبالتالي عدم كسر التوازن في لبنان بين السعودية وايران، رغم التطورات المتسارعة في المنطقة.

خطاب الحريري أرسل إشارت عدّة في ما خص رئاسة الجمهورية، فكان لافتاً انه اعتمد اسلوب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله من حيث الحديث المباشر والقول انه يرغب في مصارحة الجميع وطرح الأمور كما حصلت. ولعل من المهمّ الإشارة الى ان رئيس تيار المستقبل لم يعلن ترشيحه لرئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجيه بشكل علني ورسمي، فاكتفى بتأكيد ما قاله الأخير في هذا الخصوص، كما انه من اللافت ايضًا انه لم يقطع الخيط مع رئيس تكتّل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون حين اعترف له بحقّ الترشح من جهة، وحين حدّد مواصفات الرئيس بالقول ان عليه الالتزام باتفاق الطائف والدستور والقانون اللبناني وتغليب مصلحة لبنان.

وبالتالي، أبقى الحريري في كلمته الامور على ما هي عليه، وسلك المسار الذي سبقه اليه حزب الله في هذا الموضوع، ولو انه زاد عليه وجوب حضور الجلسات النيابية لانتخاب رئيس، اي بمعنى آخر لم يتقدم الاستحقاق الرئاسي أي خانة كما انه لم يتراجع ايضاً اي خانة.

في المضمون ايضاً، تبقى مسألة إعادة لمّ الشمل لقوى 14 آذار، وهو ما خصص له الحريري جانباً من كلمته، محاولاً اعادة احياء الامانة العامة كجائزة ترضية، ولم يخلُ الأمر من "لطشة" لاعضاء التيار الذين حاولوا التغريد خارجه، فكانت دعوة للنقد الذاتي ولاصلاح الامور.

عودة الحريري كانت ضرورية في هذا الوقت بالنسبة اليه ولتيّار المستقبل، والطلّة الجديدة التي ظهر فيها من خلال دخوله وتقديمه على انه خليفة والده في كل شيء فعلت فعلها، وكان هو وتياره المستفيدان الأساسيان من هذه الخطوة، يبقى ان نعرف مدى قابلية الحياة في قوى 14 آذار، وهل يحتاج الأمر الى بقاء رئيس الحكومة السابق في لبنان لفترة طويلة أم ان ما قام به كان كافياً لتقطيع الوقت ريثما تتبلور الامور اكثر فأكثر في المنطقة؟