لم تكن القضية بين رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون و​اتفاق الطائف​ مجرد سوء تفاهم او عدم تناغم على موجة واحدة، بل كانت علاقة قائمة على عدم الاقتناع ورؤية سيئة للمستقبل بينهما. لم يتقبل عون يوماً هذا الاتفاق، وهو كان محقاً لانه كان سبب اتفاق الجميع عليه لاخراجه من المعادلة وهذا ما حصل. في المقابل، وبعد سنوات مديدة، لم يتمكن الاتفاق ومن ايّده من لاعبين دوليين واقليميين ومحليين، من استيعاب عون وضمّه الى فريقهم، اقله لناحية القبول بالاتفاق.

اليوم، وبعد نحو سبعة وعشرين عاماً على ولادة الطائف، لا تزال العلاقة مع عون، ورغم كل التطورات، قائمة على المبدأ نفسه: لا يمكن للجنرال تغيير او تعديل الطائف ولو بـ"فاصلة"، ولا يمكن للطائف ان يستقبل ضيفاً كعون يبحث عن حقوق غير موجودة في اتفاق فرض نفسه بالقوة واستمر بفعل الأمر الواقع.

ولكسر هذه المعادلة، غيّر عون استراتيجيته وها هو يطالب بتفسير الطائف وليس بتغييره، ولكنه لن يجد من يلبي له هذا المطلب البسيط، فتفسير اتفاق الطائف يقتضي التوقف عند بعض الامور والحقوق التي تعاني شريحة من اللبنانيين من غيابها.

يخيّم شبح الميثاق الجديد على المسؤولين في لبنان، وجميعهم يريد ابعاد هذه "الكأس المرّة" عنه، وهذا على الارجح كان سبب ابتعاد الجميع عن عون الذي لم يتفاعل مع الطائف. واذا كان الكثيرون قد ابدوا قلقهم من نوايا عون في حينه، فهم اليوم يشعرون بأكثر من القلق جراء ما يمكن ان يقوم به الجنرال، خصوصاً بعد الاتفاق الذي عقده مع "​القوات اللبنانية​" واعاد الحيثيّة المسيحية الى السطح بعد ان كانت غارقة في بحر النسيان، اضافة الى اتفاقه مع "حزب الله" الذي بقي على قيد الحياة رغم كل الصعوبات ولفترة لم يتوقعها الكثيرون.

من هنا، تبدو الحيثيّة الجديدة لعون اكثر من مخيفة، لانها باتت تشكل قاعدة صالحة لاطلاق مبادرة قد لا تكون كافية لقلب اتفاق الطائف، لكنها ستكون كافية بالتأكيد لادخال بعض التعديلات عليه تبقى نسبتها مجهولة بطبيعة الحال، وقد تكبر او تصغر وفق التطورات والاحداث التي تشهدها المنطقة.

وفي ظل الوضع الاقليمي الراهن، قد يكون الوقت مناسباً لاجراء بعض التغييرات على المعادلة اللبنانية اذا لم تقف في طريق التسوية الشاملة التي تنتظرها المنطقة، والتي من شأنها حتماً ان تعطي صورة جديدة للشرق الاوسط ولكل الدول المتواجدة فيه، ومن ضمنها طبعاً، لبنان.

بالنسبة الى العماد عون، قد يكون الوقت قد حان للبدء بتفسير الطائف، اي بمعنى آخر، ادخال بعض الامور التي من شأنها ان تعيد التوازن الى العلاقة التي تحكم مختلف المكوّنات في لبنان، ولكن هذا المطلب دونه عقبات كثيرة، اهمها عدم استعداد الخارج للتلهي بالمشكلة اللبنانية التي لا تزال قابعة في الثلاجة بموافقة الجميع، وعدم وجود ارضيّة لبنانية قادرة على استيعاب مثل هذا التعديل والتكيّف معه بالسرعة اللازمة، والخوف مما يمكن ان يحمله هذا التعديل فيما لو حصل بالفعل من مفاجآت لا يمكن توقعها من خلال الممارسة، على غرار ما حمله الطائف منذ التوقيع عليه وحتى اليوم.

ضرب عون على وتر الطائف، فهل هي رسالة اراد منها الوصول الى قضايا اخرى؟ وهل بات فعلاً على اقتناع بوجوب اجراء الانتخابات النيابية وفق اي قانون كان حتى لو كان قانون الستين لانه رأى ان التمديد عاد ليطرق الابواب مجدداً؟

ام تم اضافة "فاصلة" الى الطائف، او تم "تفسيره"، المؤكد انه لن يبقى كما هو عليه، فهل يستطيع الفرقاء تحمّل مثل هذا الوضع الجديد، ووفق اي ثمن؟