منذ اشهر والعلاقة ما بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل ليست على ما يرام. كانت الترشيحات الرئاسية الشعرة التي قصمت ظهر التواصل بين الجانبين، بعدما كانا، منذ شباط من العام 2005، جسدان لا ينفصلان. ولكن بما ان لا خصم دائماً او حليفاً دائماً في السياسة، تضعضع بنيان الثقة بين معراب وبيت الوسط، لتنطلق المساعي لرأي الصدع، فهل تنجح؟

بعد انقطاع اذاً، التقى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. جمعتهم اطباق رمضان، بعدما فرقتهم اطباق السياسية في الفترة الأخيرة، من ترشيح سليمان فرنجية، الى تبني ترشيح ميشال عون، وما بينهما وبعدهما من مواقف ورسائل واشارات، دلّت على أن العلاقة بينهما ليست "زواجاً مارونياً"، وأن ما جمعته يوماً "ثورة الأرز" يمكن ان تفرّقه الاستحقاقات السياسية.

عشية انطلاق الاستحقاق البلدي، حلّ جعحع زائراً على بيت الوسط، الاّ أن هذه الزيارة لم تمنع المواجهة البلدية في عدد من الأماكن، حتى خرج جعجع في مقابلة تلفزيونية بعد الانتخابات ليقول "لا نعرف لماذا يدخل المستقبل في مواجهة معنا في القبيات وسواها من المناطق".

في الآونة الأخيرة، لعب عطاس خوري وملحم الرياشي دور صلة الوصل بين الحريري وجعجع. وجاءت زيارة الرياشي العلنية الى بيت الوسط في الثالث عشر من حزيران، في سياق القنوات المفتوحة والتواصل القائم بين الجانبين، لاعادة ترتيب العلاقة التي تصدعت على وقع الترشيحات الرئاسية.

وخلال لقاء بيت الوسط، جرى الاتفاق على ضرورة اللقاء بين الشيخ والحكيم، وخرج من يقول "لما لا يكون ذلك على الإفطار او السحور". وبعد التسليم بالمبدأ، ابقي الموعد سرّياً للضرورات الأمنية. ومع استكمال التحضيرات، كانت تلبية جعجع لدعوة الحريري. جلس جعجع والحريري وجهاً لوجه، فيما جلس الرياشي على يسار رئيس تيار المستقبل، وخوري على يمين رئيس حزب القوات. والى جانب الاطايب والعصير، حضرت ملفات الساعة.

ولأن اللقاء جاء بعد يومين على تفجيرات القاع، فإن الحدث فرض نفسه، ضمن اطباق البنود المختلفة، لتأتي الإدانة كتحصيل حاصل بالطبع، الى جانب تأكيد الوقوف خلف الجيش والاجهزة الامنية لمحاربة الارهاب وحماية الوطن. وعلى الرغم من صور النائب أنطوان زهرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي حاملاً السلاح في القاع، إنطلاقا من نشيد القوات "وقت الخطر قوات"، الاّ أن المجتمعين رفضوا مبدأ الامن الذاتي على ان يقتصر دور الاهالي مساعدة ومؤازرة القوى الامنية.

الأكيد ان هذه النقطة ليست هي لب الموضوع، بل الملفات الأخرى، من الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخاب. وبحسب معلومات "البلد" فإن القوات والمستقبل يعتبران أن العلاقة بينهما قائمة على شبكة مرتبطة ببعضها البعض، من خلال الاتصالات والترتيبات لانهاء الاختلاف الذي كان سائداً.

واليوم، تقول أوساط الجانبين ل"البلد" أن "هناك تطبيعاً للعلاقة بين معراب وبيت الوسط وان المياه عادت الى مجاريها، حيث اتفقا على ان لا عودة لاي خلاف، وان النقاط المختلف عليها تحل بالحوار". قبلها كان وبعدما كان يتردد ان "معادلة سمير-سعد غير قابلة للكسر"، يبدو أن العلاقة باتت تحتاج الى ما يشبه "اعلان نيات" بين الجانبين.

وتشير مصادر "القوات" ل"البلد" الى أن "لا نقطة تستدعي ان يكون هناك خلاف بين سعد وجعجع، وأن كل الأمور قابلة لحل العقد على أساس الحوار".

بناء عليه، يصر الجانبان على أن اللقاء لن يكون يتيماً، وان البيان الذي اعقبه لن يكون مجرد "صف حكي"، انما ستكون هناك ترجة عملية.

يتوقّف المطّلعون عند نقطتين في البيان الصادر عن اللقاء الذي لم يأت جامداً، بل حمل تقدماً في اتجاه الانفتاح، إن على قانون الانتخاب او الرئاسة، بمقاربات جديدة، يحرص الجانبان على ابقائها سرّية في الظرف الراهن.

النقطة الأولى تتعلّق بالشق المرتبط بانهاء الفراغ الرئاسي. وإن كان البيان كرر المكرر لناحية تأكيد الاستعداد للنزول الى المجلس وانتخاب رئيس وتأمين النصاب، فقد حرص الطرفان من خلالها على إعطاء إشارات إيجابية لناحية "فتح المجال للمزيد من التشاور مع كل القوى السياسية".

اما النقطة الثانية، فترتبط ببند قانون الانتخاب. ومع إعادة ارتكاز الطرفين على القانون المقدم من قبلهما مع الحزب الاشتراكي، فإنهما لم يغلقا الباب على التشاور مع القوى الاخرى بغية الاتفاق على قانون جدي، لاسيما أن هذه المسألة لا تزال مدار بحث، وستكون من البنود الأساسية على جدول اعمال ثلاثية حوار عين التينة في آب المقبل.

وفي هذا السياق، تشير أوساط المستقبل الى أن"الانفتاح قائم على الصيغة المختلطة التي يمكن ان يتأمّن الاجماع في شأنها"، بينما تعتبر أوساط القوات انه " اليوم ومع عملنا على صيغة مشتركة مع التيار الوطني الحر، فاذا توصلنا لقانون جامع مع التيار والأطراف الأخرى، نكون قد خطونا خطوة نحو تأمين الاجماع المطلوب على القانون الجديد. لذلك، فالتشاور مطلوب وتكثيفه ضروري".

بناء على تجربة الأشهر الأخيرة، بات الجانبان على يقين بأن زمن "مغفورة لك خطاياك" انتهى بينهما، وبالتالي، فالطريق ما بين معراب وبيت الوسط، ستحتاج بين الحين والآخر لاعادة تأهيل، على الرغم من تأكيد أوساط الجانبين بأن صفحة الخلاف قد طويت.