تنشغل قواعد التيار الوطني الحر هذه الأيام بالصيف الانتخابي، ومرحلته الأولى نهاية الشهر الجاري، حيث سيكون المحازبون على موعد مع الانتخابيات التمهيدية الداخلية لاختيار المرشحين المحتملين للانتخابات النيابية، وسط السؤال الآتي: من سيختار التيار وعلى أي أساس؟

تنطلق القيادة الحزبية من أن الكلمة الفصل ستكون مرة جديدة للقاعدة الشعبية، اذ ان الانتخابات شملت قبل ذلك الهيئات ومجالس الاقضية واللجان، واقتصر التعيين على اللجنة المركزية. وترى فيها تجربة جديدة على صعيد الأحزاب اللبنانية، من خلال إعطاء القاعدة الحزبية رأياً في اختيار نواب الحزب، ولو ان القرار النهائي يبقى للقيادة الحزبية، وفق النظام الداخلي. فمن خلال التعميم الذي أصدره رئيس الحزب جبران باسيل، سينتخب المنتسبون الى التيار في كل قضاء مرشحيهم، على أساس صوت واحد لكلّ منتخب، اي One man, One vote ، اي ان كل منتسب الى التيار يختار اسما واحدا فقط في الدائرة التي ينتمي اليها.

الاّ ان هذا الخيار ليس نهائياً، اذ سيتمّ من بعدها استطلاع رأي، بين منتصف تشرين الثاني وكانون الاول، ويكون محصوراً بمرشحي التيار ضمن الدائرة الانتخابية من اجل تصنيفهم تراتبياً، وبالتالي حذف العدد الذي يتخطى عدد النواب المحدّدين لكل دائرة انتخابية وفق توزيعهم على المذاهب. ثم يجرى استطلاع رأي، بقرار من باسيل، بعد اقرار القانون الانتخابي، وبعد اعلان المرشحين، وقبل اجراء الانتخابات بفترة تسمح بتصنيف مرشحي التيار مقابل المرشحين الآخرين، لكي يتم اختيار المرشحين النهائيين، وفق التحالفات الانتخابية وذلك بقرار سياسي من التيار ورئيسه.

في الواحد والعشرين من حزيران الماضي، فتح باب تقديم الترشيحات الذي سيستمر حتى منتصف تموز الجاري، لتكون امام المرشح مهلة أسبوع حتى الثاني والعشرين من تموز لسحب ترشيحه.

ستبدأ المرحلة الأولى في 31 تموز اذاً. سيتوجّه المنتسبون الى مراكز الاقضية ليضع كل واحد منهم ورقة في الصندوق، دوّن عليها اسم مرشحه.

وقبل أن يقفل باب الترشيحات في 15 تموز الجاري، يتم التداول ببعض الاسماء، الا انه وحتى موعد الاستحقاق، فالأكيد ان أسماء أخرى قد تضاف في الأيام المقبلة حتى موعد اقفال باب تقديم الترشيحات، فيما هناك من سيعيد النظر بترشيحه من بين المتقدمين، في حال وجد ان حظوظه ليست جيّدة.

وعلمت "البلد" أنّ لوائح الشطب لم تنجز بعد بشكلها النهائي، لكن بعض المنسقين عمد الى عدم توزيع اللوائح على الهيئة، ليحول ذلك دون التحقق فعلياً من الأسماء الواردة فيها لانقضاء المهل المتعلقة بها.

وقد تتقدم بعض الهيئات المعنية بالمخالفة المذكورة باعتراض موثق خارج المهل لمعالجة الخلل الناتج عن هذه الممارسة.

اما المنتسبون الجدد، كمثل الوزير الياس بو صعب في المتن، او امل أبو زيد في جزين، او يعقوب الصراف في عكار، فقد اتفق على دخولهم السباق في مرحلة لاحقة، لا سيما ان التقيّد بحذافير النظام الداخلي، يحول دون ترشحهم، لعدم مضي سنتين على انتسابهم للتيار.

وبينما بدأ المرشحون جولاتهم ولقاءاتهم واتصالاتهم، وعمد البعض من بينهم الى تكوين ماكينة انتخابية والتدقيق في البوانتاجات، فالسؤال المطروح لدى شريحة واسعة من المحازبين هو التالي: من نختار وعلى أي أساس؟

لا شك ان الوطني الحر مثّل تجربة نضالية في بداياته، من الحالة العونية، وصولاً الى التيار. طوال سنوات، مارس كثيرون فعل الايمان "بالقضية" في المدارس والجامعات والنقابات، واضطر آخرون الى عيش المنفى القسري، حيث ساهموا بدورهم في كودرة الحالة النضالية في الخارج، تمهيداً للعودة الى لبنان. لكن السؤال المطروح يرتبط بأهلية كل "مناضل" لان يكون نائباً او وزيراً او مسؤولاً.

هو الاستحقاق الانتخابي النيابي الثالث الذي يتحضر له التيار بعد تجربتي 2005 و2009، مرورا بالتمديدن اللذين اعترض عليهما التيار وطعن. طوال 11 عاما، خبر التيار الحياة المؤسساتية التي يختلف فيها العمل عن العناوين العريضة، حيث ان تحويل الافكار الى اقتراحات وقوانين، يشبه في احيان كثيرة المواجهة في حلبة ملاكمة، البقاء فيها للاقوى والاكثر تحضيرا ودراية.

واذا كان التغيير نحو الافضل مطلوبا دائما، الا ان ذلك لا يكون عشوائيا، بل وفق الحاجة الى تقوية مكامن القوة في ضوء تحديات الاصلاح والمحاسبة والتشريع، لا سيما ان القاعدة ترى أن من بين النواب الحاليين من اثبت كفاية وجدارة في المجال النيابي، تشريعاً وانماء ونشاطاً، في اللجان والهيئة العامة، وهو من الذين يجب التمسك بهم والإبقاء عليهم، والبحث عن مواصفات تشبههم.

ومن بين القاعدة من يقول "إن ليس بالضرورة أن يتمتع كل راغب بالترشح بالمواصفات المطلوبة، وإن كان الطموح مشروعاً، فعلى هذا الطموح أن يترافق مع الإمكانات المطلوبة، والّا شكّل نقطة ضعف للتيار وتمثيله النيابي والسياسي، لا سيما في ظل التحديات التي تحتاج لمن يباطح ويتابع ويحضّر الملفات ويدافع عنها...وفي نهاية المطاف، فالنيابة والمسؤولية ليستا جوائز ترضية، بل امتحان يكرم المرء عنده، فيمنح الثقة، او لا يستأهل فتحجب عنه".

من هنا، يبدو الاستحقاق الانتخابي مناسبة للمحاسبة، سلبا ام ايجابا، ولا يقتصر على عملية روتينية اوتوماتيكية تتمثل بالانتخاب. فمن ينتخب، سيعطي وكالة لمن يمثله، ليتعامل مع التحديات المالية والاقتصادية والاجتماعية والتمثيلية وسواها.