كان يمكن للنائب السابق الشيخ فريد هيكل الخازن ان يقصد بكركي وحده لدعوة البطريرك الراعي لمباركة اعمال ترميم كنيسة السيدة لعائلة الخازن في المختارة، لكن الزيارة الى بكركي حملت اكثر من طابع الدعوة الدينية بمرافقة النائب وليد جنبلاط فجاءت التفسيرات والاجتهادات حولها بانها لم تكن بعيدة عن الموضوع الرئاسي وان كان جنبلاط يريد تثبيت بعد مضي خمسة عشر عاماً على مصالحة الجبل، مقولة طي صفحة الماضي بالفعل.

يكثر جنبلاط في الآونة الاخيرة في خطاباته واطلالاته لازمة تسويق مرشح التسوية، ويعني ذلك ان الزعيم الاشتراكي لا يمانع بتسوية توصل عون الى قصر بعبدا تقول مصادر مسيحية، لان اسم سليمان فرنجية صار خارج التسوية المطروحة، كما ان وصول عون يضمن او يستتبع حلاً مؤجلاً لملفات ساخنة هي قانون الانتخاب والملف النفطي ورئاسة الحكومة.

بدون شك فان امد الفراغ في قصر بعبدا بات يشبه مسلسلاً عربياً طويلاً وممل طال دون جدوى او بارقة امل تلوح حول حلول بل ان التعقيدات بدل ان تزول تتضاعف. فالملف الرئاسي ترنح كثيراً تضيف المصادر ولا يزال، وخضع لتجاذبات 8 و14 آذار ولتمسك كل فريق بحساباته ومصالحه ومراهاناته على الوضع الاقليمي وانتظار ما ستؤول اليه الاستحقاقات في المنطقة لبلورة انعكاسها داخلياً، حاول الرئيس سعد الحريري في آذار الماضي ان يقلب الاوراق الرئاسية فحضر الى لبنان محاولاً تعويم طرحه بترشيح فرنجية من فريق 8 آذار ولكن دون جدوى. فترشيح فرنجية اصطدم بممانعة عون وبالتزام حزب الله معه، وطيلة هذه المرحلة لم يترك كل من فرنجية او عون وسيلة الا استخدماها في المعركة الرئاسية، فزعيم المردة «أعدم» علاقته التاريخية بعون بعد ان لاحت في الأفق ملامح التسوية والقبول السعودي به وكل ما يهيء له الطريق لولوج قصر بعبدا، فلم يعد هناك من جسر للتواصل بين بنشعي والرابية ولجأ كل من الحليفين اللدودين الى «اعدام» الآخر في السباق الى بعبدا، بالنسبة الى فرنجية ومن وجهة نظره فان انتخابه رئيساً كان وشيكاً عندما تبنى الحريري ترشيحه وهو كان صاحب حظوظ رئاسية لو ان الجنرال قبل بالتنحي لوصول مرشح من 8 آذار، فيما اعتبر ميشال عون ان رئيس المستقبل استغل فرنجية لضربه وقطع الطريق عليه الى قصر بعبدا، وان زعيم المردة سار في المخطط الذي رسمه الحريري وجنبلاط وبري بغطاء سعودي و«فيتو» على ترشيحه.

وبعد ان وصلت مساعي الحريري الى ما يشبه الحائط المسدود في شأن ترشيح فرنجية بسبب التزام حزب الله مع ميشال عون حتى النهاية وبسبب تعنت عون واصراره على اكمال الرئاسة، فان استدارة كل من الحريري وجنبلاط اليوم نحو خيارات اخرى باتت حتمية، ففي حين يكرر جنبلاط بحسب المصادر لازمة رئيس التسوية منذ فترة لاعتبارات يريدها جنبلاط لانهاء الشغور الرئاسي ربطاً بحسابات جنبلاطية في السياسة والطائفة الدرزية ووضع الجبل، فان الحريري يتحرك داخلياً وبعد خسارة المعركة البلدية وفق اولويات وحسابات مختلفة وبتموضع مختلف عن السابق، منهياً التصعيد الذي بدأه قبل فترة وباتت مواقفه الداخلية اقل حدة وبمراجعة نقدية للاخطاء و«زلات» المستقبل.

بدون شك فان الحريري اليوم غير الحريري بالامس وما يريده وليد جنبلاط اليوم مختلف عما كان لا يسعى اليه بالامس تضيف المصادر، يحاول سعد الحريري تحقيق اختراق في الاستحقاق الرئاسي وترميم الجسور في الداخل واحداث اختراق لم يتمكن من فعله في الاستحقاق البلدي. وبالتالي فان الحريري يعمل على تحقيق اختراق ما في الموضوع الرئاسي عبر خيار عدم الممانعة على المرشح البديل او مرشح التسوية، واذا كان اختيار مرشح محسوب على فريق 14 آذار لا يزال غير ممكن نظراً لارتباط الاستحقاق بالمعادلات الداخلية والخارجية فان الحريري يحاول تغيير الاستراتيجية الرئاسية بعد ان فشل في تسويق مرشح من 8 آذار داخل فريقه. وعليه تقول المصادر فان ممانعة الحريري لوصول عون صارت اخف من السابق خصوصاً اذا ما تم ربط الملف الرئاسي برئاسة الحكومة ووصوله الى السراي، وان كان المتعارف عليه ايضاً ان الحريري لا يمانع بوصول قائد الجيش وفي هذا الاطار اتت زيارته قبل فترة الى اليرزة وان كان غلب عليها طابع الالتزام بالجيش، خصوصاً ان قائد الجيش وقف على مسافة واحدة من الجميع وان الدول الاقليمية كلها تدعم معركة الجيش ضد الارهاب وهذه الدول عبرت اكثر عن ارتياحها لقيادة المؤسسة العسكرية وادائها في مواجهة الارهاب. كما ان الحريري كما تقول المصادر، لا يضع «فيتو» على وصول الجنرال شامل روكز الذي بات اسمه يطرح كبديل عن ميشال عون كونه ينتمي الى الفريق نفسه ويحظى بقبول من 8 و14 آذار.

بات واضحاً ان كل القيادات السياسية تتنافس لقطف ثمرة الاستحقاق، فالجميع متفق على ختم ملف الاستحقاق الرئاسي فالمخاوف واسعة من الاحداث الامنية، والجميع يستعجل انجاز الاستحقاق وانهاء الفراغ والتعطيل في مؤسسات الدولة حتى ان الدول المعنية بالاستحقاق لم تعد وفق اوساط كثيرة تتوقف عند هذا المرشح او ذاك او عند مواصفات محددة بقدر ما يهمها انجاز الاستحقاق وملء الفراغ في قصر بعبدا، وحيث يسود الاعتقاد ان هذه الدول بدأت تملي نصائح بضرورة معالجة الوضع اللبناني مهما كان اسم الرئيس العتيد، خصوصاً ان لبنان يرزح تحت ملف النازحين السوريين، والهواجس الامنية خصوصاً ان الارهاب لم يوفر اي مكان في بلجيكا او فرنسا.

فما ينقل عن بعض زوار دول القرار بان ثمة رغبة دولية بالتوصل الى حل رئاسي قريب، والبحث عن مخرج للأزمة وثمة استعداد دولي للقبول بمرشح تسوية يشكل حلاً عملياً لإشكالية فرنجية وعون، وهنا يتحدث المتابعون عن طرح مجموعة اسماء طرحت في السوق الرئاسية مؤخراً الى جانب الاسم الرئيسي لزعيم الرابية الذي يتصدر قائمة المرشحين الاقوياء لرئاسة الجمهورية.