استنادا الى المواقف السياسية فإن "ثلاثية الحوار" التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لتجري على مدار ثلاثة ايام متوالية بدءا من غد الثلاثاء، لن تشهد الاتفاق على رئاسة الجمهورية ولا يوجد ما يشير الى اتفاق على اجراء الانتخابات النيابية المقبلة وفق قانون جديد... فالموقف من الرئاسة الاولى لم يتغير بين من يؤيد العماد ميشال عون كرئيس للبلاد وبين من يفضل سليمان فرنجية عليه. فيما شكل موقف فرنجية الاخير من عين التينة، حيث اصرّ على الاستمرار في الترشيح، دليلا على ان طبخة رئاسة الجمهورية لم تنضج بعد وان الانتظار على قارعة الدول الاقليمية سيد الموقف لدى الجميع.

كما شكلت كلمة الامين العام لحزب الله مساء الجمعة مزيدا من التصعيد تجاه المملكة العربية السعودية، لا سيما ان حزب الله يتمسك بضرورة ان يتبنى تيار المستقبل ترشيح العماد ميشال عون لكي يفرج عن نصاب جلسة الانتخاب. وبالتالي بين اشتراطه هذا وهجوم نصرالله على السعودية تصبح النتيجة استمرار الفراغ الرئاسي، وبالتالي تظهر الى حدّ بعيد عدم استعجال حزب الله انتخاب رئيس الجمهورية لأسباب في الغالب تتصل باعتبارات اقليمية وسورية بالدرجة الاولى.

كلام لافت في سياق الاستحقاق الرئاسي اطلقه وزير الداخلية نهاد المشنوق قبل ايام، اوحى من خلاله ان ثمة امكانية لتبني تيار المستقبل تأييد ترشيح العماد ميشال عون. كلام المشنوق سبق خطاب نصرالله، ولم يظهر الاخير اي اهتمام بهذا الطرح في خطابه، بل لم يتناول قضية الاستحقاق الرئاسي بما يقتضيه التطور والاجواء التي روج لها التيار الوطني الحر عن نضوج فكرة انتخاب العماد ميشال عون، في اشارة الى تطور ايجابي من قبل تيار المستقبل حيال هذا الترشيح.

ليس خافيا على احد ان كلام المشنوق عن امكانية تبني ترشيح عون استند الى ان الجنرال ميشال عون، بحسب متابعين ومطلعين على ملف العلاقة بين الرئيس سعد الحريري والعماد ميشال عون، اكد التزامه باتفاق الطائف امام وفود زارته وبعث رسائل في هذا الخصوص. واعلن انه لا يؤيد قيام مؤتمر تأسيسي. بل ويلتزم الى حدّ بعيد بقانون انتخاب يرضي تيار المستقبل. لكن في موازاة هذه الاجواء كان رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة يشدد على ان وصول عون الى الرئاسة غير وارد، في اشارة الى ان تيار المستقبل في الحدّ الادنى ليس في وارد تأييده.

جسّ النبض الذي اعتمده المشنوق، موجه الى حزب الله بالدرجة الاولى والى جمهور تيار المستقبل وقيادته بالدرجة الثانية. فهو اطلق اشارة عن امكانية تبني عون من قبل "المستقبل". والارجح ان هذه الاشارة موجهة لحزب الله، الذي لم يعرها اهتماما حتى الآن، ولم يتعامل معها باعتبارها بداية جدية لتبني مرشحه العماد عون. وهي ايضا عملية اختبار جدلي موجه الى المستقبل، مفاده ضرورة عدم الاستسلام لسياسة الانتظار التي يعيشها تنظيم المستقبل خصوصا ولبنان عموما. بل ضرورة المبادرة إما الى بلورة مشروع سياسي اساسه المواجهة مع الخصوم، او الذهاب الى تسوية تأتي بالعماد ميشال عون الى الرئاسة. معتبرا ان ايّ من الخيارين يبقى، مهما بلغ من السوء، افضل من الحال الذي يعيشه البلد اليوم.

ردود فعل حزب الله، او بالاحرى عدم تفاعل حزب الله مع هذه الطروحات و"تطنيش" ضرورة محاولة ملاقاتها عند نصف الطريق، يؤكد مجددا ان حزب الله اما لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية في ظل الظروف الاقليمية الحالية، او يسعى الى المحافظة على وضعية دستورية وقانونية لبنانية معلقة بين التعطيل واللاتعطيل. او هو يريد من القوى السياسية ان تعلن استسلامها الكامل له، بحيث يستطيع فرض مايشاء ضمن ايّ اتفاق داخلي. بمعنى ان يتم طي اي جدل حول وظيفته الامنية والعسكرية والعمل على تحصينها في الدستور والقانون.

ثلاثية الحوار غدا فرصة لتلاقي القوى السياسية على طاولة الرئيس نبيه بري، وستشكل مجريات الحرب السورية مجال الاهتمام وسيتندر الرئيس بري على هيلاري كلينتون ولن يوفر منافسها الجمهوري. كما سيظهر الوزير جبران باسيل الكفاءة الديمقراطية العالية للتيار الوطني الحر، فيما النائب محمد رعد سينتظر الشكر من المتحاورين على تصدي حزبه للارهاب. فيما الرئيس فؤاد السنيورة سيجد من المناسب ان يكشف للحاضرين وضع المالية العامة للبلد والمؤشرات الاقتصادية. كل ما تقدم سيبقى في اطار سياسة ملء الفراغ السياسي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع... وزيارة الرئيس الحريري الى عين التينة ليل الأحد ربما شهدت "جديدا" ما. والوزير المشنوق أقرب القريبين الى الحريري والى بري.

وعليه، إما ستغلي "طبخة" الرئاسة في حر آب، أو أن العام الحالي لن يشهد أي جديد، بانتظار الرئيس الاميركي الجديد، والحل السوري البعيد....