قبل أيام قليلة مات آخر عرّابي مافيا كورليوني الإيطالية بيرناردو بروفينزانو في أحد السجون الإيطالية عن 83 عاماً، بعد أن تحكّمت مافيا صقلية، التي تزعّمها، بجزء من تاريخ إيطاليا الحديث.

في العام 2006، تمكّنت الشرطة الإيطالية من اعتقال الرجل الخفي، فقررت المخابرات المركزية الأميركية "C.I.A" أن تُسكت الرجل، بسبب العمليات المشتركة بين الطرفين، فدبّرت أمر إصابته بفقدان الذاكرة، وبالتالي لم يعد ممكناً استنطاقه ومعرفة أسراره واتصالاته..

وفي الخلاصة فقد تبيّن أن الـ"C.I.A" كانت مساهمة اساسية في تكوين وانطلاقة هذه المافيا الخطيرة التي عاثت في إيطاليا إرهاباً واغتيالاً ونهباً، خصوصاً في ثمانينات القرن الماضي.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1990، أحيط بوريس يلتسين بمجموعة من الخبراء الاقتصاديين والسياسيين الأميركيين، الذين كانوا يعملون لتفكيك وانهيار الاتحاد الروسي، في نفس الوقت الذي كانت تقوم مافيا روسية، وُصفت بأنها الأخطر في تاريخ المافيات، عملت بالإضافة إلى روسيا في كل أنحاء العالم.. وقد بيّنت الوقائع أن هذه المافيات وُلدت ورتّبت أمورها وتملّكت أدواتها المدمّرة في نيويورك أولاً.

والوقائع أيضاً تشير إلى أن "C.I.A" هي التي اخترعت حركة "طالبان" الأفغانية، حتى ملابسها هي التي اختارتها لتكون بيضاء؛ في محاولة للتدليل على نقائها الايديولوجي، كما أنها هي من اخترع "القاعدة"، فتفيد المعلومات أن حركة ما يسمى "المجاهدين العرب" مُوّلت بناء على طلب أميركي من السعودية، وأن الرياض فتحت أبواب التطوّع على مصراعيها بإغراءات مذهلة.

وطبقاً للمعلومات، فإن المخابرات المركزية الأميركية طلبت أن يكون شخص سعودي، يملك الإمكانيات والقدرات، زعيماً لحركة "المجاهدين العرب"، فرشّح بندر بن سلطان (السفير السعودي في واشنطن بين 1983 و2005) أسامة بن لادن؛ ابن رجل الأعمال المعروف والملياردير الكبير، فتلقّفته هذه المخابرات، وعيّنته زعيماً لـ"القاعدة"، بعد أن أجرت له دورات متعددة، جعلته عنصراً بارزاً فيها، وكان يحمل رتبة ضابط فيها عند أحداث 11 أيلول 2001.

ثمة حقيقة هنا؛ أن كل ما حصل ويحصل بعد 11 أيلول 2001، يدل بالوقائع أنه يخدم إمبراطورية الشر الكبرى الولايات المتحدة، فالجثث الأميركية المتطايرة من برج التجارة العالمي خدمت وتخدم الأغراض الاستراتيجية للولايات المتحدة، ولا مشكلة أبداً فيما حدث ويحدث من مجازر تقشعرّ لها الأبدان على يد القوات الأميركية، كما حصل في العراق بعد الغزو الأميركي في نيسان عام 2003، حيث أباد الاحتلال الأميركي والإرهاب المنظّم أميركياً أكثر من أربعة ملايين عراقي، عدا عن آلاف وربما ملايين المشوَّهين من جراء هذه الحرب الاستعمارية القذرة.

وفي الحرب المتعددة الأشكال والأوجه على سورية، استحضرت الولايات المتحدة - سواء بالتدخل المباشر سياسياً كحال زيارات جون ماكين إلى مواقع الإرهابيين في سورية، أو زيارة السفير الأميركي السابق روبرت فورد إلى حماه، أو التدخل المباشر عسكرياً - أفظع أنواع الإجرام، عبر تقديم كل الدعم التسليحي للعصابات الإرهابية، أو عمليات القصف العشوائية لما يسمى طيران التحالف الذي كان كثيراً ما يقتل الأبرياء.

ثم ها هي المرشحة الرئاسية ووزير الخارجية الأميركية السابقة تفجر في كتابها "خيارات صعبة" مفاجأة من الطراز الثقيل، عندما اعترفت بأن الإدارة الأميركية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف باسم "داعش" لتقسيم منطقة الشرق الأوسط، وقالت في كتابها: "دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية وكل شيء كان على ما يرام وجيد جداً، وفجأة قامت ثورة 30/6 - 3/7 في مصر، وكل شيء تغيّر خلال 72 ساعة". وأضافت: تم الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5/7/2013، وکنا ننتظر الإعلان لكي نعترف نحن وأوروبا بها فورا".. وتابعت تقول: "كنتُ قد زرتُ 112 دولة في العالم.. وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء على الاعتراف بالدولة الإسلامية حال إعلانها فوراُ، وفجأة تحطّم كل شيء".. وتابعت القول: "كل شيء كُسر أمام أعيننا دون سابق إنذار.. شيء مهول حدث.. فكرنا في استخدام القوة، لكن مصر ليست سورية أو ليبيا، فجيش مصر قوي للغاية، وشعب مصر لن يترك جيشه وحده أبداً".

الآن، تحاول الولايات المتحدة واتباعها من باعة الكاز العربي أن تغيّر من جلد التنظيمات الإرهابية، فـ"جبهة النصرة" بقدرة قرار أميركي تحوّلت إلى "جبهة فتح الشام"، فظهر أبو محمد الجولاني للمرة الأولى بوجهه علناً وعليه كل مستحضرات التجميل و"الميك أب".. هل تذكرون كم نظّروا لاعتدال جماعة "نور الدين زنكي"؟ تذكروا ذبح الطفل الفلسطيني..

وللبحث صلة