لا تزال قضية الطفل ​جواد جمعة​ الذي عانى أهله الأمرّين لإدخاله المستشفى بعد سقوطه من شرفة ذويه، والتي كشفت "النشرة" النقاب عنها بالأمس فيتقرير خاص، تتفاعل على أكثر من مستوى، سواء على الصعيد الرسمي من خلال فتح وزارة الصحّة لتحقيق بالموضوع، أو الإعلامي والشعبي من خلال الاهتمام الذي رُصِد خلال الساعات الأخيرة.

وعلى الرغم من أنّها ليست المرّة الأولى التي تُثار فيها قضية مريضٍ حُرِم من حقه البديهي المفترض بالاستشفاء لاعتباراتٍ وحساباتٍ مختلفة، بغضّ النظر عن هوية المريض وعمره وجنسه، كما بصرف النظر عن هوية المستشفى، فإنّ ما حصل كان كفيلاً بإثارة سخط العديد من المواطنين، الذين لجأوا لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم، متسائلين عمّا بقي من الرحمة والإنسانية.

وفي هذا السياق، رفع كريم سيف الدين الصوت، مطلقاً عبارة "يا عيب الشوم" الشهيرة، معتبراً أنه لم يعد هناك إنسانية، فيما اعتبر أحد الناشطين أنّ المشكلة تكمن أولاً بالدولة العاجزة عن تأمين أدنى الحقوق للمواطن، ليضيف آخر أنّها أيضاً بأخلاقيات المؤسسات الخاصة التي استحوذ عليها الطمع وتناست أخلاقيات الطبّ، على حدّ تعبيره.

وفي حين رأت فاتن أنّ الإنسانية سقطت من قلوب الناس، اعتبرت ماري روز أنّ هناك من يريد أن يوحي أنّ لا قيمة للفقير في هذه الدولة، مشيرة إلى أنّ الدولة من جهة لا ترحمه، والمستشفيات كذلك الأمر، فيما دعت رشا شعيب لإبقاء هذه القضية مفتوحة حتى محاسبة المستشفى، مشيرة إلى أنّها تشعر بغصّة كلّما فكّرت بالطفل جمعة، متسائلة: "إلى متى سيبقى القوي في هذا البلد يأكل الضعيف؟ وإلى متى سيبقى هؤلاء الناس يتحكّمون بحياتنا؟"

أما خضر حسن، فرأى أنّ "هذه الحادثة تدل على عمق الأزمة التي وصل إليها لبنان، ووصل إليها الشعب الذي يعيد إنتخاب سلطة تقضي على مؤسسات الدولة لحساب المؤسسات الخاصة". وللمفارقة، لفت حسن إلى أنّ من أسماهم بـ"أزلام هذه السلطة" هم أصحاب المؤسسات الخاصة، أو شركاء فيها.

ولا يبدو أنّ التوضيح الذي صدر عن إدارة ​مستشفى الجامعة الأميركية​، والذي أكّدت فيه أنّ "المركز الطبي لم يتوان يوماً عن الإلتزام الكامل باستقبال كافة الحالات التي تصل إلى قسم الطوارئ من دون إستثناءات"، متحدّثة عن إجراءات يجب اتباعها في حال تحويل حالة مريض من مستشفى آخر إلى المركز، شفى غليل الناشطين، الذين صبّوا جام غضبهم على المستشفى.

هنا، لفتت جنان إلى أنّها، بوصفها خرّيجة الجامعة الأميركية، تشعر بالإهانة بسبب ما وصفته بسوء المعاملة المعتمَدة من قبل المركز الطبي مع المرضى، فيما استهجنت ليلى حاطوم قيمة المبلغ الذي طُلب من أهل جواد تأمينه، والذي وصل إلى 22 ألف دولار، متسائلة عمّا إذا كانت عملية قلب، في حين تساءل جورج إده عمّا إذا كان أيّ مريض يُرفَض في أميركا، سواء كان غنياً أم فقيراً.

بعض الناشطين أثار موضوع الضمان الاجتماعي أيضاً، حيث تساءلت سينتيا عدنان سليمان عمّا يمكن أن يحصل مع غير المضمونين، إذا كان من يشملهم الضمان يُرفَضون بهذا الشكل، في حين روى أحمد ياسين حادثة جرت مع والدته التي كان يفترض أن تخضع لعملية جراحية وبقيت في الردهة من الثامنة والنصف حتى الساعة الثانية بعد الظهر بحجة عدم توفر اسرّة، وعندما عرضت العائلة دفع المبلغ كاملاً دون الاستفادة من الضمان، توفر السرير.

هو الجدل القديم الجديد نفسه بين الانتفاع المادي والواجب الإنساني الذي يُثار مع فتح أيّ قضية لمريض رفضت المستشفيات استقباله، ليبقى الرأي الأعمّ أنّ المسؤولية تقع أولاً وأخيراً على الدولة المشلولة والعاجزة...