بين ​كوريا الجنوبية​ و​كوريا الشمالية​ وقف لاطلاق النار واستمرار للحرب التي لم تنته مع انشاء منطقة الحزام الامني بين الجارتين العدوتين، في 27 من تموز 1953، بمشاركة الامم المتحدة، التي ينتشر عناصر الكتيبة الاميركية منهم في هذه المنطقة بطول 250 كلم وعرض 4 كيلومترات.

دخول هذه المنطقة ممنوع على المدنيين الا بإذن خاص ومسبق، والتجول فيها يتم بمراقبة عسكرية، وبمرافقة عسكري يقابل ضيوفه في شكل مستمر بمجموعة من الارشادات والتنبيهات، من اهمها ان التصوير ممنوع.

في الواقع، يعتبر كثيرون أن المنطقة المنزوعة السلاح في كوريا، او المنطقة المجردة من السلاح، هي من أخطر الامكنة من الناحية الفنية .

فعلى مساحة 4 كيلومترات بين الجبال والتلال، التي تفصل بين الكوريتين، تتمركز القوات العسكرية مع الدبابات والصواريخ ومستودعات الوقود ومرابض المدفعية والألغام الأرضية.

ولكن، وفي الوقت عينه، لم يمنع ما سبق من اقامة ملعب للغولف، في القاعدة العسكرية "فيبا نمونجوم"، في المنطقة المسماة بقرية الهدنة. وقد لا يلحق ممارسو هذه الرياضة كراتهم، اذا ما وقعت في مكان تنتشر فيه الالغام، والتي ليست قليلة، ما يجعل من هذه الملاعب "الاخطر في العالم".

الوصول الى هذه المنطقة يستغرق قرابة الساعتين من وسط العاصمة سيول. ينذرك حاجز اول للقوات الكورية الجنوبية، بأنك تدخل منطقة حساسة. تتابع سيرك لتصل الى نقطة تفتيش ثانية، تقل فيها الحركة، وتكثر الاراضي الزراعية عند جانبيها، متداخلة مع تجهيزات عسكرية مرئية، واخرى مموهة.

عشر دقائق بعد الحاجز الثاني، تطل عليك ثلاثة اعلام ترتفع جنبا الى جنب، وهي العلم الاميركي، الامم المتحدة، والعلم الكوري الجنوبي. هنا يصعد جندي اميركي الى الحافلة، لينبّه الى ان التصوير ممنوع، وانك في منطقة عسكرية، تحتم على الداخل اليها التقيّد الشديد بالارشادات والتعليمات: لا كلام مع الجنود، لا اشارات في اتجاههم، يصطف "السياح" على غرار "الطابور العسكري" ويصعدون السلالم في اتجاه الـ"freedom house"، او "بيت الحرية" على الجانب الكوري الجنوبي، وهو المعلم الاخير للجمهورية الكورية، قبل ان تطل عليك وانت خارج من بابه، كوريا الشمالية بمبنى مماثل يبعد حوالى 200 متر، يتناوب على الوقوف عند مدخله جندي كوري شمالي بعتاده العسكري، ظهره الى بلاده، وعينه في اتجاه كوريا الجنوبية، في اشارة الى ان الشمالية محروسة دائما من اي حركة جنوبية.

عند الخط الحدودي ما بين الكوريتين، مبنى ازرق، في وسطه وضعت طاولة اجتماعات، ينتشر حولها عناصر من الامم المتحدة، في وضعية تأهّب دائمة. لا كلام ولا سلام معهم، بل امكانية سريعة للتصوير. عبور الطاولة من جانب الى آخر يعني انتقالك من كوريا الجنوبية الى الشمالية، والعكس صحيح. هنا تحصل المحادثات بين الكوريتين، برعاية الامم المتحدة، وهي متوقفة منذ مدة. لكن ذلك لا يمنع الجنود من الوقوف الدائم في وضعية التايكواندو، التي تسمح لهم برد الفعل الفوري، عند الشعور بالخطر.

لا يسمح بالبقاء في هذه الغرفة اكثر من خمس دقائق، بينها اربع دقائق يشرح فيها الجندي الاميركي العامل ضمن القوات الدولية طبيعة المكان وتاريخيته، قبل ان يرفع الحظر عن التصوير داخل الامتار القليلة المربعة لدقيقة واحدة، يطلب في نهايتها من الزائر الخروج، ليسمح مجددا بالتقاط بعض الصور للحدود الشمالية، ويمنعها عن الجنوبية.

هكذا، تنتهي هذه الزيارة التي يخرج منها الزائر محملا بلحظات تاريخية، تختصر "الحرب المستمرة" بين شعبين ودولتين، كانوا قبل عقود شعبًا واحدًا في دولة واحدة، ليعيشوا اليوم خائفين بعضهم من بعض، من دون اي مؤشرات الى ان السلام قريب.

يودعك الجندي الاميركي، بعد اصطحابك الى قاعة مخصصة للهدايا التذكارية، ومنها يرافقك جندي كوري جنوبي الى خارج المنطقة المنزوعة السلاح.

واذا كانت الحدود بين البلدين، هادئة في الآونة الاخيرة، الا انها ليست مطمئنة، خصوصا في ضوء المناوشات التي تحصل بين الحين والآخر. وهو ما يفسر انتشار اقنعة الوقاية من الغاز في غرفة الفندق، وفي المجمعات التجارية والشركات وفي اماكن مخصصة على الطرقات، التي يشاهد العابر عليها ارشادات لأقرب ملجأ، ما يعني ان الخطر دائم، والوقاية ضرورة.

في كوريا الجنوبية، يصح القول " كلنا عسكر". فكل شاب يخضع لدورة عسكرية لمدة سنتين عندما يبلغ الثامنة عشرة من عمره. وشريحة واسعة من الشبان تدخل في الجيش الذي ترتفع على جدران مقراته العسكرية اسماء الشهداء، الى جانب مجسمات لقادته التاريخيين. فقد حتم الموقع الجغرافي لكوريا ان تكون في عصور عدة عرضة للهجمات والغزو والاحتلال من الصين واليابان والمنغوليين والمنشوريين.

وللتذكير، فالجولة اتت ضمن زيارة الوفد اللبناني الذي اطلقت عليه تسمية " opinion leaders" او "قادة الرأي"، وهو برئاسة قائد اللواء الخامس في الجيش اللبناني العميد الركن عفيف صالح، ويضمه الى مساعد قائد قطاع جنوب الليطاني العميد محمد بزي، وقائد جهاز امن السفارات العميد وليد جوهر، وقائد سرية درك صور العقيد عبدو خليل، ومدير عام الآثار في وزارة الثقافة سركيس الخوري، رئيس بلدية العباسية خليل حرشي، مندوبة اذاعة وموقع صوت الفرح في صور غادة الدايخ، بالاضافة الى ممثل صحيفة "البلد" وقناة الـotv.

وقد اختتمت الزيارة لكوريا بسلسلة لقاءات مع القيادات العسكرية الكورية، وزيارة لوزارة الدفاع حيث كان لقاء مع الضباط العاملين خارج الحدود الكورية ومع "اليونيفيل". وسيرافق عناصر الكتيبة 18 الوفد اللبناني في عودته الى بيروت، حيث سينضمون الى رفاقهم الذين سبقوهم قبل ايام، للعمل في مهمة لثمانية اشهر في جنوب لبنان.