غالباً ما تتخذ الحملات الانتخابية بين متنافسين اثنين على منصب رئاسة الجمهورية منحى تصعيدياً بينهما يخرق في كثير من الاحيان السقف العام الموضوع لمثل هذه الحملات وما تحمله من اتهامات متبادلة. صحيح اننا في لبنان والدول العربية نفتقد لمثل هذه الحملات، لكون لبنان لا يعرف هوية الرئيس الا في اللحظات الاخيرة، ولكون الدول العربية تفتقر لمنافسة ديمقراطية.

اما الولايات المتحدة، فهي تتغنى بأنها "أم الديمقراطية" وينحصر التنافس دائماً بين شخصين من حزبين هما الديمقراطي والجمهوري، يتناوبان على شغل البيت الابيض وفق تصويت الناخبين الاميركيين. اللافت في السباق الرئاسي هذه المرة، نوعية الاتهامات التي ظهرت وستظهر ايضاً، بين المرشحة الديمقراطية ​هيلاري كلينتون​ والمرشح الجمهوري ​دونالد ترامب​، والتي انتقلت من المعقول الى "الوساخة" وتشويه الصورة.

الغرابة تكمن اولاً ان الاثنين كانا خلال عهد الرئيس ​بيل كلينتون​ (زوج المرشحة الحالية هيلاري كلينتون)، من أعز الاصدقاء والصور التي تجمع عائلتيهما تعبّر عن مدى التناغم الذي كان يسود الأجواء، والذي تغيّر بطبيعة الحال مع الوقت.

اما الاهم فهو اتهام ترامب الاخير للرئيس باراك اوباما بأنه "مؤسس داعش" ولكلينتون بأنها "مساعدة المؤسس" لهذا التنظيم الارهابي. من المفرغ منه ان اي انسان يريد اذلال الآخر او وصفه بأقذع النعوت وافظعها يحوّله الى "داعشي" او ينسب اليه انتماءه الى هذا التنظيم الارهابي الذي لا يمت الى الانسان والانسانية بصلة.

لا يمكن لترامب او لاي احد آخر بطبيعة الحال اثبات صحة او عدم صحة هذا الامر، ولكن مجرد اللجوء اليه بهذه الطريقة يعني امراً واحداً وهو ان الاتهامات وصلت الى حد "الوساخة" في التعاطي واستغلال مشاعر الناس الذين وقعوا ضحية اجرام هذا التنظيم. قد يكون صحيحاً ان الولايات المتحدة بسياستها خلقت "داعش" وعمدت الى تغذيته، انما الوصول الى حد اعتبار اوباما وكلينتون مؤسسين لهذا التنظيم يعني حكماً مسؤوليتهما المباشرة على آلاف القتلى الذين سقطوا في مختلف اراضي دول العالم على يد "داعش".

قد يربح ترامب عبر هذا الاسلوب تعاطف شريحة من الجمهور الاميركي، وهو يعوّل على ذلك للتقدم اكثر في طريقه الى البيت الابيض، ولكنه يحارب على هذه الجبهة بمفرده لان حزبه منقسم حياله كما ظهر في اللقاءات العمومية للجمهوريين. وحين يقاتل المرء وحده على جبهة كبيرة لا يفوّت استخدام كل ما يصل اليه لايذاء خصمه، وهذا ما يقوم به ترامب تحديداً، كما انه اثار مشاعر الاميركيين حين كشف عن وجود والد مرتكب مجزرة اورلاندو "عمر متين" في الصف الامامي لحملة كلينتون في فلوريدا، وهو امر استفز الكثيرين نظراً الى فداحة العمل الاجرامي الذي قام به متين.

في المقابل، يواجه ترامب كلينتون واوباما معاً، في حين ان الانقسام داخل الحزب الديمقراطي اقل فداحة من نظيره الجمهوري، وهذا يعني تمتع كلينتون بدعم اكبر قليلاً كما انها تخوض معركتها في مجال تتقنه اكثر من ترامب حتماً، وهو مجال السياسة اضافة الى استغلال ثروة منافسها الجمهوري لشد عصب الطبقة المتوسطة والفقيرة من الاميركيين وايصال رسالة اليهم مفادها ان ترامب لا يمثلهم، ولكنها رسالة دقيقة لانها بحاجة بدورها الى اموال الداعمين الاثرياء.

وفي مقابل "داعش"، تركز المرشحة الديمقراطية على عنصر لا يحبه الاميركيون وهو روسيا وبالتحديد رئيسها الحالي فلاديمير بوتين الذي لم يخف الود الذي يكنه للمرشح الجمهوري الذي يبادله الشعور نفسه. وفي مقابل "وساخة" ترامب في اتهام منافسته بـ"داعش"، تقابله كلينتون بـ"وساخة" اخرى مفادها انه "خائن" لتقربه من بوتين، حتى وصل الامر بالمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "C.I.A" مايكل مورال الى حد اتهام ترامب بأنه تم تجنيده دون علمه، من قبل روسيا، وهذا يعني بأن المرشح الجمهوري خائن لبلاده ومسؤول عن اي امر تستفيد منه روسيا ويضر بمصالح اميركا.

"وساخة" الاتهامات لن تتوقف، وربما تكون المرة الاولى التي ينحدر بها الامر الى هذا الدرك من المواجهة غير الديمقراطية، فكان التعرض بالشخصي سابقاً امراً طبيعياً، اما الاتهامات بانشاء منظمات ارهابية من خارج السياق السياسي واكثر من مرة، او بالخيانة عبر العمالة لبلد آخر، فهي تنبىء بمرحلة جديدة دخلتها الولايات المتحدة حيث بات كل شيء "مشروعاً ومباحاً".