يُروى عن عبد العزيز آل سعود أنه قال للعميل البريطاني جون فيلبي في العام 1934: "لم يملك آبائي وأجدادي اليمن، ولم يكن أحد قادراً على تحقيق الأمن والاستقرار هناك.. من يستطيع أن يحكم اليمن بزيديتها ومشاكلها"؟

الظاهر أن الملك سلمان بن عبد العزيز لا يتذكّر ما قاله والده، إما بسبب فقدان الذاكرة، أو بسبب الغرور والعجب والقدرة على كسر التاريخ وتطويعه بالمال والقنابل، وهو يحاول امتطاء المملكة وإجبارها على تسلُّق الجبال اليمنية الصخرية منها والسياسية منذ حوالي 18 شهراً وعبثاً يحاول، فكلما تسلقت جبلاً عادت وتدحرجت إلى الأودية اليمنية فتهرب بعدها لتقصف بالطائرات أطفال اليمن الذين تعرف إحداثيات غرف نومهم وملاعبهم ومدارسهم أيضاً، وإن اختبأوا فتلاحقهم إلى المستشفيات ودور الرعاية.

السعودية تهيم على وجهها في اليمن بين العشائر والقبائل و"داعش" و"القاعدة" تبحث عن نصر أو تسوية تحفظ ماء وجهها وتوقف استنزاف ميزانيتها، وتقلل عدد الجنازات للجنود السعوديين.. إنها تحاول ستر عورتها التي كشفها الصمود اليمني، لكنها تكابر ولا تتنازل عن غرورها، وتريد التسوية لكن بشروطها التعجيزية، وتحمّل دميتها السياسية عبد ربه السعودي ما لا يطيق حمله من مواجهات أو مفاوضات عبثية، ثم تفاوض الوفد الوطني في الكويت خلف الكواليس: أعطونا بالعلن انتصاراً وخذوا ما شئتم من شروط وتعويضات ومكاسب.. أنقذونا من الفخ اليمني وفكوا أسرنا من دوامة الفشل في الميدان والسياسة.

لقد أخطأ السعوديون - كعادتهم - في غزو اليمن، لظنهم أن المسألة تحتاج إلى أسبوع أو أسبوعين ويصبح اليمن تحت عباءة الحكم السعودي، ويصبح اليمنيون عبيداً؛ كما كان "الوهابيون" يسرقونهم ويبيعونهم مع السودانيين كرقيق في أسواق السعودية حتى العام 1960، لكن الحسابات السعودية لم تتوافق مع البيدر اليمني الشجاع، الذي استنزف السعودية وراكم هزائمها من سورية إلى العراق ولبنان، حتى وصلت إلى قبرها السياسي والعسكري في اليمن، وتُصارع الآن علّها تنجو من فعلتها.. لكن دون جدوى.

استطاعت السعودية تخريب وهدم اليمن وحضارته، وقتل الأبرياء، واستولت مع "القاعدة" و"داعش" على عدن وبعض الجنوب الذي تحوّل إلى ساحة صراع بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية و"الإخوان المسلمين"، وبين "داعش" و"القاعدة" وقوى الجنوب والصراعات البينية داخل حكومة هادي وأعوانه، بمعنى أن السعودية لم تربح الجنوب وخسرت الشمال، وخسرت الأمان والسيطرة في نجران وجيزان وعسير، وها هي تهجّر القبائل السعودية عن الحدود.

تبرر السعودية حربها لتثبيت الشرعية الهاربة والمستقيلة، وهذا عذر أقبح من ذنب، حيث نصّبت نفسها وصياً ووكيلاً عن الشعب اليمني، وصادرت دور الأمم المتحدة - التي لانثق بها - وتحاول إرغام اليمنيين على القبول بحكمها عبر أزلامها وأدواتها المقيمين في الرياض، لكنها فوجئت بالنخوة والوطنية اليمنية التي عادت لتشكّل نفسها عبر المجلس السياسي اليمني الذي صادق على شرعيته مجلس النواب اليمني، والذي أعلن بدء عملية ترميم المؤسسات الشرعية، والإمساك بالشرعية الشعبية والدستورية لتوحيد اليمن وطرد الغزاة والقضاء على "القاعدة" و"داعش" والجماعات التكفيرية، والعمل على توفير مقومات العيش الكريم للشعب اليمني المنكوب بـ"عاصفة الحزم" والقتل والمجازر.

الانغماس السعودي في اليمن كشف العورات السعودية الواحدة بعد الأخرى، والتي كانت مغطاة بالاحتياط المالي السعودي، لكن حرب اليمن أماطت اللثام عن الحقيقة التي تعيشها السعودية والمقيّدة بقيود إنخفاض سعر النفط، والعجز والفشل العسكري، وفقدان السيطرة والأمن في الجنوب السعودي كما في جنوب اليمن.

مستقبل العائلة المالكة رهينة الحرب اليمنية، وكذلك وحدة المملكة، فكلما طالت الحرب قربت نهاية العائلة وتفككها، واليمنيون قادرون على الصمود، وهذا هو تاريخهم، ولم يبقَ أي شيء تهدمه السعودية سوى جبال اليمن وصخورها، ولا يمكن لجنود الصحراء أن يغلبوا جنود الجبال، ولا يمكن الانتصار في حرب يقودها أمراء من رحلاتهم السياحية في المغرب أو فرنسا، بل النصر لليمنين الذين يرابطون مع قياداتهم في الثغور والجبهات.