لعبة حزب الله الرئاسية مملة بل باتت مدمرة للبلد ولم يعد مستساغا رمي الكرة في ملعب الخصوم، ربما لم يعد هناك خصم له في الدولة بكل الاحوال الكل يدفع الجزية صاغرا، لكن رغم كل ذلك ثمة ارادة ممنهجة للتدمير، الامر ليس عفويا ان يستباح كل ما له علاقة بالدستور والقانون وبالدولة.

ويستمر حزب الله بخوض المعارك في سورية محتفياً بإسقاط داريا التي "انهت الخطر على نظام الاسد" كما قال القيادي في حزب الله نبيل قاووق معتبرا أن "تحرير داريا هو إنهاء لأحلام النظام السعودي بإسقاط النظام في سوريا، وتأكيد على انتصار الجيش السوري وهزيمة العصابات التكفيرية ميدانيا".

يستطيع قاووق ان يفتخر بهذا الانجاز، وان يوزع صفة "التكفيري" كما يشاء حزب الله، ولكن يحتاج قاووق ان يقنع السوريين بأن الذين قاتلوا لاربع سنوات في داريا هم ليسوا ابناءها ولا اصحاب بيوتها ولا الذين ولدوا وترعرعوا فيها وقاتلوا من اجل حريتهم فيما ارتكب النظام، بدعم من حزب الله، اكبر مجزرة لا زالت مستمرة منذ اربع سنوات. اين منها مجزرتا صبرا وشاتيلا ومجزرة دير ياسين ومجزرتي قانا وغيرها، حتى باتت اسرائيل تشعر بتفوق "الممانعة" عليها في ارتكاب المجازر وعمليات القتل.

يدرك حزب الله ان هذا الاحتفاء بالنصر في داريا، كما النصر في "اليرموك" والقصَير والقلمون والزبداني، يجب ان يستكمل بوضع أنصبة في لبنان تشكل شاهداً على انجازاته في سوريا. ربما يحتاج حزب الله، في سبيل تأريخ لحظة زوال الخطر على الاسد في سورية، ان تسمى احدى الساحات الكبرى او الشوارع المهمة في لبنان "المقاوم" باسم "داريا الاسد" كخطوة تمجد هذه اللحظة الاستراتيجية كما وصفها قاووق، من دون ان يفوته وضع نصُب حيّ الوعر في حمص، على لائحة الانتظار بعد نصب داريا ونصبي القلمون والزبداني.

الانهماك بالانتصارات في سورية وافراغ داريا من كل سكانها وثوارها، لا يعني ان يستمر اللعب بمستقبل اللبنانيين. اذ يستمر حزب الله بالشكوى من تيار المستقبل، كما قال النائب حسن فضل الله امس: "نحن مبتلون في لبنان بحزب المستقبل الذي بداخله أفرقاء طبيعتهم المعاندة والمكابرة والمشاغبة والمزايدة والمنافسة فيما بينهم” وانه يأتمر بالسعودية. باعتبار ان اللبنانيين يجدون في حزب الله النموذج المبتغى لقيام الدولة واحترام الدستور والقانون ومستقل عن ايران. اللبنانيون سلموا له مرغمين بأنه هو من يقرّر انتخاب رئيس او لا يقرر. واعطاه "المستقبل" حق ان يختار بين مرشحيه ميشال عون وسليمان فرنجية، ومارس فعل الابتهاج والحماسة للمرشح فرنجية، لكن حزب الله لا يريد رئيسا بالاصل. رغم ذلك يجب على اللبنانيين بعدما رضوا بمعادلة حق حزب الله عمليا بتحديد اسم الرئيس وتوقيت انتخابه صاغرين، ان يزيدوا من الانحناء وان يرددوا مقولة: "من يعطل انتخاب الرئيس هو تيار المستقبل". ويجب ان يصدقوا انفسهم ويقاتلوا في سبيل هذه "القناعة" ولو كانوا يرون زعيم المستقبل "قد زاد في الرقة..".

هذا لأن حزب الله، اسوة بالعديد من الاصوليات الدينية، يريد من خصومه "ان يدفعوا الجزية وهم صاغرون". اذ ليس من اللائق الا يتحمس خصوم حزب الله لقراره الرئاسي. بل عليهم، ان يزيدوا في الحمد والشكر له. ويجب الاّ تغيب الابتسامة عن شفاههم. فحزب الله لا يجد في مبدأ الاكراه ما يتلاقى مع "الحكم الشرعي". هو يريدهم ان يختاروا ما يشاء هو، لكن بحرية. وان فشلوا فليعيدوا الكرة مرة واخرى الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا.

هو اللّعب بأبشع صوره، اذا احسنا النوايا. وهي سياسة تدمير الدولة والمجتمع، اذا اردنا الاّ نجافي الحقيقة. لذا يحسن في هذه الحال ان يؤمّر في البلد الصغار، وان يتقدم الجهلة الى منابر الحكمة، وان يسيطر المقامرون على السياسة ورقاب الناس، وان يُحَكّم الفاسدون على خزائن الدولة والاملاك العامة... هذا تدمير منهجي وليس عفوياً للدولة. فالدول، مهما كانت من السوء، لها من القواعد والثوابت التي لا يجب الاخلال بها حتى لا تنهار وتخرب امور المواطنين ومصالحهم. لكن عندما تكون السياسات المدعوة "كبرى" لا تستند الى ما توافق عليه اللبنانيون في دولتهم، فلا بد من تأمير الجاهل، والسارق، والمفسد، وهذا ما جعل من الصعب وصف احد في لبنان بأنه "رجل الدولة:.

الاحتفاء بداريا كما القصير والقلمون وطريق القدس في الزبداني وحلب، هو ما يجب على اللبنانيين شكر حزب الله عليه. واكثر: يجب ان يستيقظوا كل صباح وينظروا الى كل خصم لبناني لحزب الله - هذا اذا كان موجوداً بعد - على أنه هو من يعطل هذه الدولة.

الكارثة الوطنية تجاوزت حدود انتخاب الرئيس. الدولة يجب ان تكون في الحضيض ليبقى نموذج عابر للدستور والقانون... قبل الحدود، قادرا على ان يبقى ويستمر كما هو.