غداة تعليق الحوار إلى أجل غير مسمّى، بدا للمراقبين أنّ الأفق بات مقفلاً وأنّ السياق المنطقي للأوضاع ذاهبٌ في اتّجاه تصعيدٍ سياسي حادّ، لغياب لغةِ المساومة وانعدام وجود المادة اللازمة للمساومة.

يتوقّع سياسيون أن تكون أولى تداعيات قرار رئيس مجلس النواب نبيه بري بتعليق الحوار ما سيَجري على الصعيد الحكومي، لأنّ الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء التي لم يحسَم مصيرها بعد، ستكون معادلاتها مختلفة عن الجلسة السابقة التي لم يوقّع بعد وزراء ينتمون الى اطراف سياسية مؤثّرة ما صَدر عنها من قرارات.

ويَعتقد هؤلاء السياسيون انّ المخرج لتفادي أيّ اشتباك سياسي على الجبهة الحكومية قد يكون بتأجيل الجلسة، اللهمّ إلّا إذا أصرّ رئيس الحكومة تمام سلام وأفرقاء سياسيون آخرون على عدم تأجيلها، إذ إنّ تغطية البعض لخطوة من هذا النوع قد لا تنجح لأنّ «قفلة» الاشتباك السياسي الذي حصَل على طاولة الحوار كانت عالية، الأمر الذي قد يجعل من التأجيل الحلّ الأقلّ خسارة إفساحاً في المجال لاتصالات، وللرهان على عطلة عيد الاضحى المبارك علّها تحقّق التهدئة والحلول التي تنقِذ مجلس الوزراء من التعطيل، خصوصاً أنّه السلطة التنفيذية الوحيدة المتبقّية العاملة في البلاد في ظلّ الشغور الرئاسي وتعطيل المجلس النيابي.

مع العِلم انّ السياق التصعيدي هو عنوان المرحلة التي ستشهد عراكاً سياسياً على مستويات عدة من دون ان ينعكس سلباً على الاستقرار الأمني السائد في البلاد، والذي كان الجميع ولا يزالون يتحدّثون عن أنّه مرعيّ بقرار اقليمي ودولي كبير.

وتدلّ المعطيات السائدة إلى أنّ أيّ فريق سياسي لا يستطيع تحمّل مسؤولية التفرّد في أيّ خطوة، سواء بعقدِ مجلس الوزراء بمَن حضر او غيرها، لغياب ايّ جهة في إمكانها تغطية مِثل هذا التفرد، على رغم انّ البعض رأى أنّ الموقف الذي عبّر عنه زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية على طاولة الحوار في ردِّه على مداخلة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، إنّما أمَّن لرئيس الحكومة تمام سلام ساتراً يشجّعه على الدعوة الى جلسات لمجلس الوزراء حتى ولو استمرّ وزراء «التيار الوطني الحر» في مقاطعتها.

علماً أنّ بعض اصدقاء فرنجية ذهبوا إلى القول إنه بما عبّر عنه «أنقذ السِلم الاهلي» وفوّتَ على التيار فرصة «الاستثمار السياسي والرئاسي» في موضوع «الميثاقية» الذي اشتمّ من محاولة لـ«إلغائه».

لكنّ سياسيين آخرين اعتبروا أنّ ما عبّر عنه فرنجية ربّما يكون قد اتّفق عليه مسبقاً مع جهة سياسية ما تؤيّده، وأنّه بهذه المواقف إنّما خَدم نفسه بالدرجة الاولى، إذ جاء كلامه مثابة بيان ترشيح رئاسي، أعاد معه تأهيلَ ترشيحه الذي كان بهتَ بعض الشيء في الاسابيع الاخيرة، وتلقّى بعض الضربات التي خفّفت من وهجه السياسي، علماً أنّ البعض كانوا ولا يزالون يرون أنّ فرصة الرَجل للوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية مرتبطة بموقف الرئيس سعد الحريري الذي كان رشّحه بمبادرته الشهيرة وشاع يومها أنّها تحظى بتأييد اميركي وفرنسي وفاتيكاني وسعودي.

وعليه فإنّ كلّ الوقائع والمعطيات الماثلة تؤكّد انّ المرحلة الراهنة والمقبلة ستكون محكومة بتصعيد سياسي، على أمل ان تكون له سقوف حتى لا يطاولَ المحظورين الأمني والمالي، علماً أنّ الاعتبارات التي تحكم هذين المحظورين هي ما فوق إقليمية.

وأكثر من ذلك، يؤكّد سياسيون أنّ القرار بالتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي محسوم، وهذا القرار هو ما يتحكّم بجانب من الموقف العوني التصعيدي الذي يرى في هذا التمديد خلفيةً ما تتّصل بالاستحقاق الرئاسي، علماً أنّ قائد الجيش يَحرص على النأي بنفسه في كلّ المناسبات عن هذا الاستحقاق، مرَكّزاً على تعزيز دور الجيش في الحفاظ على الأمن ومكافحة الإرهاب كأولوية مطلقة نسبةً للمخاطر التي تحيق بالبلاد من جرّاء الأزمات الإقليمة، وفي مقدّمها الأزمة السورية اللصيقة.