«مرتا مرتا أنت تقلقين وتهتمّين بأمور كثيرة مع أنّ الحاجة إلى شيء واحد» لوقا 10/38.42

لم يكن أساساً خافياً على الجنرال ميشال عون، وربما أصبح الآن واضحاً للذين امتلأت رؤوسهم بإشاعات تنضح بالطائفية بأنّ سعد الحريري هو معطِّل «وصول الرئيس المسيحي القوي والمستحق» لسدّة الرئاسة، فإنّ المعطِّل الحقيقي للحلم العوني ما هو إلّا الحليف صاحب الوعد الصادق «حزب الله»، على الأقل، بناءً على ما أفضى إليه حراك سعد الحريري الأخير.

لقد أصبح واضحاً أنّ اختراعَ السلّة المتكاملة ما هو إلّا مشروع تعجيزي تولّاه الرئيس نبيه برّي بالنيابة عن الحزب الحاكم بفعل الأمر الواقع. ويكفي طرح السلّة المسبَقة على الرئيس لنفهم أنه على الرغم من كلّ الخدمات التي قدمها الجنرال في سبيل إرضاء أمين عام «حزب الله» ومعسكره الممانع، فإنه بقي خارج نطاق الثقة الكاملة، ببساطة، لأنه من غير أتباع الولي الفقيه.

لا أريد من كلّ ذلك دقّ إسفين في التحالف الهجين بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، فهما أصلاً يختلفان في كلّ شيء إلّا في عدائهما المشترَك للآخر.

ومع ذلك فقد فهمت من أصدقاء لي من أنصار الجنرال أنهم أصبحوا يدافعون بصدق عن التوجّهات العقائدية والسياسية والدينية والثقافية والمحلّية والإقليمية والدولية لـ«حزب الله»، لدرجة باتوا يستعملون معها الكثير من التعابير الخطابية التي لا نسمعها اليوم إلّا من نعيم قاسم ومحمد رعد وحسن نصر الله، وأحياناً من بعض مَن ورثوا الأسلوب الخطابي لزعماء العرب في القرن الماضي.

ولا أريد أن أوحي بأنني أصعّب المهمة على الرئيس العتيد، أو أحاول إحراج الجنرال بسؤالي عن خطته لاستعادة أولى مقوّمات الدولة، وهي احتكار استعمال السلاح للسلطة الوطنية الشرعية؟

هناك خيارات متعددة أمام الرئيس:

أولاً: أن يعترف الرئيس بالوضع كما هو، يعني أن تستمرّ ميليشيات «حزب الله» تتحرك بكامل حريتها، وبشكل مستقل عن أجهزة الدولة الأمنية والسياسية إلى أجل غير مسمى. وهذا الأجل حسب زعم نصر الله لن يكون قبل القضاء التام على إسرائيل، لأنه مجرّد وجودها يعني الخطر الدائم على لبنان. في المقابل فهذا يعني أنّ هذا الخيار سيكون مُتاحاً لمجموعات أخرى، بعقائد أخرى، بأن تتحوّل إلى ميليشيات مسلّحة تحت رعاية دولة ما لمواجهة إسرائيل، وبالطبع من دون الرجوع إلى الدولة؟

خيارٌ ثانٍ قد يكون مبنيّاً على سلّة متكاملة في الأمن والسياسة والإقتصاد تجعل من لبنان مستعمرة إيرانية بما يُشبه الوضع أثناء الوصاية السورية أو أسوأ. يعني اتفاقات تفاضلية وقواعد عسكرية إيرانية استراتيجية، والمواجهة مع الشيطان الأكبر ومعاداة دول الخليج، وسيكون لبنان وليس طهران ساحة لمعركتها.

خيارٌ ثالث هو أن يدعو الجنرال الرئيس إلى وضع كلّ القوات المسلّحة تحت أمرة القائد الأعلى، وبالتالي تسقط معادلة تُحرّر الميليشيات من سلطة الدولة، طالما أنّ القائد العام هو من المؤيّدين لمبدأ «المقاومة والممانعة».

الخيارُ الرابع هو أن يعطي الجنرال الرئيس مهلة زمنية لكلّ الميليشيات المسلّحة لتسليم سلاحها إلى الدولة، وإعلان أنّ الدولة وحدها هي المسؤولة عن حماية الوطن.

في المحصّلة، لقد أصبح واضحاً أن لا إمكانية لإدارة شؤون البلد من دون توحيد القرار تحت السلطة الشرعية، وإلّا فإنّ خيارات التفتيت تصبح الامر الواقع، وهنا علي أيّ بلد سيكون الجنرال رئيساً؟