حتى الساعة كل السيناريوهات مطروحة في ما خص الملف الرئاسي، ثمة من يعتقد ان ميشال عون صار على مسافة امتار قليلة من قصر بعبدا وان الجنرال بدأ صياغة خطاب القسم الرئاسي وان العونيين يعدون للاحتفال قريباً بجنرالهم وان كل الترتيبات انجزت على الورق وتنتظر لحظة تصفير العدادات للانطلاق الى بعبدا لتتويج خاتمة انتصار عون بعد معارك سياسية كثيرة خاضها، وبين الاعتقاد ان الرئاسة لا تزال بعيدة جداً في ظل عقد كثيرة استجدت ومن دخل على الخط الرئاسي بتهمة التعطيل صار معروفاُ بعدما اقترب سعد الحريري ولامس اعلان ترشيح عون.

وعليه فان الامتار القليلة المتبقية هي الاهم في السباق الرئاسي، وكل تطور او موقف اقليمي او داخلي يحسب له الف حساب في الاستحقاق خصوصاً بعد دخول معركة سوريا مرحلة حاسمة بتقدم الخيار العسكري الاميركي قبل ان يرد الروس بأن استهداف المنطقة السورية استهداف لهم، في حين للسجال بين بري وبكركي الذي تم حذفه وترتيبه بين عين التينة والصرح تداعياته المسيحية كما تلقفته الرابية برحابة صدر من الحليف خصوصاً ان عون يبدو في اكثر ايامه هدوءاً او هكذا يحاول ان يظهر لأخصامه كما للحلفاء بأن الايام الصعبة ستختفي فجأة وان الطبخة الرئاسية على وشك ان تنضج عما قريب. هكذا مضى التمديد الثالث لقائد الجيش بكتم الغيظ العوني وعدم رفع الصوت عالياً وهكذا تأجلت التظاهرات التي كانت مقررة الى حين، وهكذا بصم التيار ووافق على التعيينات التي ارادها نبيه بري بسرعة والتي تصب في مفهوم المحاصصة التي تحكم النظام السياسي لصالح حركة امل.

وفي اعتقاد اوساط سياسية ان ميشال عون يحسن لاول مرة فن المناورة السياسية التي لم يكن يتقنها في السابق، فالاطلالة التلفزيزنية الاخيرة شكلت مفاجأة لجمهور وعارفي عون لجهة هدوئه وانفتاحه على الجميع، حتى ان عون تفادى التورط في الاشتباك مع حليف الحليف رغم انه تعرض لاطلاق نار كثيف من عين التينة ومن بنشعي ايضاً بعد جولة الحريري الرئاسية على المقرين وبعدما بانت في الافق ملامح موقف رئيس تيار المستقبل.

استراتيجة التهدئة تنطبق ايضا على كل المحاور العونية تضيف الاوساط، فالقيادات العونية والوزراء والنواب يتحاشون الدخول في تجاذب او اشتباك مع احد تفادياً لاي دعسات ناقصة قد تغضب الجنرال. وفي اعتقاد الاوساط ايضاً ان عون الذي يعمل الحريري على تسويقه في الشارع السني وجعله اكثر قبولاً بعد سنوات التجييش السني ضد الرابية التي اطلقها الحريري قبل سنوات، فان عون يواجه اشكالية مستجدة لدى الشارع الشيعي لم تكن موجودة في السابق انما تم افتعالها على خلفية ان يأتي التفاهم بين الثنائية المسيحية والسنية على حساب الثنائية المسيحية والشيعية، فالشارع الشيعي الذي تم تجييشه من قبل بري الذي سوق لترشيح فرنجية بدلا من عون يشعر بدون شك بحالة من الانقباض من تفاهم على حساب الشيعة بين الحريري وعون، في هذا السياق بادرت الرابية الى التنبه وامساك زمام المبادرة فتم تمرير تعيين رئيس الجامعة اللبنانية بتعاون وحضور وزير التربية رغم افتعـال وزير امل غازي زعيتر اشكالية في مجلس الوزراء ورغم ان «ايوب» من الاساتذة المتعاقدين وليس من المتفرغين. فالمـؤكد ان عون يحاول ان يظهر انه لا يريد الغاء احد ويعـمل على اشاعـة اجـواء من الاطمئـنان مفـادها «وقـفنـا الى جانب جمهور المقاومة من الطائـفة الشيـعية في حـرب تموز، وهكذا سنفعل اليوم... ولا نقـبل الـغاء احد».

يحاول عون الايحاء او ايصال الرسالة التالية بان وصوله الى بعبدا لن يكون على حساب اي مكون آخر في السلطة، وبأنه داعم للمقاومة ومسارها الاستراتيجي وانه يحضر للحكم والشراكة مع الاقوياء، ويعمل لترسيخ مروحة التفاهمات التي انشأها، فالتفاهم مع القوات لم يأت على حساب التفاهم مع الضاحية، فلا يأخذ اي تفاهم من حساب تفاهم آخر، والتفاهم حاصل مع المستقبل ومع رئيس المجلس وليس صحيحاً ان التفاهم مع بري لا يزال في قعر البحار وبالعكس فان التفاهم النفطي حصل بدون اهداف وشروط وبعيداً عن التسوية الرئاسية.

التهدئة العونية لانضاج الطبخة لا تعني ان الرابية تضع رأسها على «وسادة حرير» وتنام مطمئنة فكل السيناريوهات يمكن ان تتغير في اي وقت وفي ربع الساعة الاخير، فالوقائع تفرض عدم المغالاة في التفاؤل، والتيار الوطني الحر يسير على خطين متوازيين، التهدئة والحوار والانفتاح، والجهوزية والتحضر للنزول الى الشارع في 16 تشرين لتحقيق المطالب تحت عنوان الميثاقية، وبدون شك فان تظاهرة بعبدا ليست للمواجهة انما للضغط وتحقيق اهداف، وسوف يتخللها كلمة سياسية لعون ورئيس التيار جبران باسيل ومشاركة عونية واسعة تكون موجهة من روحية المناسبة وذكرى الشهداء.