على الرغم من التصنيف على قائمة المنظمات الإرهابية، والضغوط الكبيرة التي تمارس على فصائل المعارضة السورية من أجل عزلها، يبدو أن جبهة "​فتح الشام​"، أي جبهة "النصرة" سابقاً، تحولت إلى ضابط إيقاع على الساحة السورية، لا يمكن الإستغناء عنه بالسهولة التي يتصورها البعض، خصوصاً أن واقع هذه الجماعة كان السبب الرئيسي في إسقاط التفاهم الأميركي الروسي الأخير، الأمر الذي أدى إلى إرتفاع مستوى التوتر بين البلدين إلى حد قطع الإتصالات السياسية، باستثناء ما هو ضروري منها لمنع الصدام بينهما.

من هذا المنطلق، يمكن فهم العديد من المواقف الدولية والإقليمية من هذه المنظمة الإرهابية، التابعة لتنظيم "القاعدة" الذي شنت الولايات المتحدة حرباً على أفغانستان وأخرى على العراق بسبب إتهامه بالوقوف خلف عمليات الحادي عشر من أيلول، فواشنطن تعتبر فصلها عن باقي فصائل المعارضة السورية أمراً معقداً، يدفعها إلى المماطلة في الذهاب إلى فرضه على المتعاونين معها، في حين أن العديد من الجهات الإقليمية لا تتردد في تقديم مختلف أنواع الأسلحة إليها، ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة عبر إرسالها أولاً إلى المتحالفين والمتشاركين معها في غرف عمليات عسكرية واحدة.

ما تقدّم يدفع إلى السؤال عمّا إذا كانت العديد من القوى جادة في نيّتها محاربة الجبهة أو حتى في تصنيفها منظمة إرهابية، في حين هي تعمل كل يوم على تثبيت وجودها أكثر على الساحة السورية، الأمر الذي سيقود حتماً إلى صعوبة التخلص منها من دون دفع أثمان باهظة، فهي اليوم باتت الرقم الصعب القادر على فرض مواقفه على باقي الفصائل المعارضة بالقوة، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال الخلاف الأخير بين كل من تنظيم "​جند الأقصى​" وحركة "​أحرار الشام​"، فالأخيرة إستطاعت، خلال ساعات قصيرة، حشد تحالف عسكري كبير لمواجهة "الجند" الذي اتهمته بالتعاون مع عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن "فتح الشام" فضلت البقاء على "الحياد" في هذا الصراع، قبل أن تنجح في فرض حل على الحركة رغم إعتراض العديد من قياداتها عليه، خصوصاً بعد أن حددوا الهدف بالقضاء على "الجند" بشكل كامل.

وفي حين كان من المتوقع أن تذهب "النصرة"، بعد إعلانها "فك الإرتباط" عن "القاعدة"، إلى الإختباء بالفصائل الأخرى من خلال الإندماج معها ضمن فصيل موحد، ذهبت إلى قبول بيعة "جند الأقصى"، آخر التنظيمات المصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، في مؤشر إلى أنها غير مهتمة بأي إتهام قد يوجه لها من جانب المنظمات الدولية، نظراً إلى أنها تدرك أن القوى الداعمة لفصائل المعارضة لم تستطع الإستغناء عنها عندما كانت تشكل عصب القوة العسكرية التابعة لها، وبالتالي هي عاجزة عن القيام بأي أمر معها بعد أن تحولت إلى "ضابط إيقاع" قادر على فرض رؤيته على الجميع.

إنطلاقاً من هذا الواقع، من الطبيعي أن تُطرَح جملة من التساؤلات حول كيفية التعامل مع الجبهة في المستقبل، في حال لم يكن الرهان على إستثمارها سياسياً لا يزال قائماً حتى اليوم، فهي باتت تجذب كافة العناصر المتشددين المعترضين على أداء الفصائل التي كانوا ينتمون إليها، لا سيما من "أحرار الشام"، كما أنها تنسج المزيد من التحالفات الجديدة ضمن ما يسمى "جيش الفتح"، الذي إنضمت إليه العديد من القوى مؤخراً، بالإضافة إلى إندماج فصائل جديدة معها، فهي حصلت في الأيام الأخيرة على بيعة كل من "جند "الأقصى" و"الكتيبة المركزية الثانية لصقور الجبل"، في مؤشر إلى أن المسار الحالي يقود إلى تعاظم قوته لا محاصرتها، بالرغم من محاولات القضاء على العناصر الذين قد يشكلون مشكلة للجبهة، في حال قررت الذهاب إلى المزيد من الخطوات التي تساهم في تسويقها أمام الرأي العام الدولي.

في المحصلة، يبدو أن الجناح السوري لتنظيم "القاعدة" قادر على البقاء بعيداً عن الإستهداف فترة طويلة، حيث التركيز اليوم على عناصر تنظيم "داعش"، بعد أن تحول الأخير "شماعة" لدى مختلف اللاعبين الإقليميين والدوليين، نظراً إلى أن الدور المطلوب منه في إستنزاف الجيش السوري وحلفائه لم ينته بعد، لا بل من الممكن إستثماره سياسياً في مرحلة لاحقة.