ليس أمراً طبيعياً أن يبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية. فلقد انقضى عامان على الفراغ الرئاسي، وتمدّد الفراغ إلى كلّ مؤسسات الدولة، وترجم غياباً كاملاً عن تحمّل المسؤوليات تجاه مصلحة البلد ومصالح الناس.

رئيس الجمهورية هو رمز وحدة لبنان، وبالتالي يجب إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالسرعة الممكنة، وأن لا يُربط هذا الاستحقاق بمسارات واتفاقات خارجية، كسراً لقاعدة الربط التي اعتاد عليها اللبنانيون وتأقلموا معها.

الواقع، أنّ كسر هذه القاعدة ليس أمراً سهلاً، لأنّ النظام السياسي الطائفي القائم يتشكّل من طوائف ومذاهب، وهي تستميت من أجل بقاء هذا النظام، طالما يوفر لها شروط الاستمرار من خلال توزيع الحصص والمغانم وشرعنة الفساد… وهنا يكمن التقاطع والتلازم بين الداخل والخارج، وهذا هو السبب الذي يُبقي لبنان بلا رئيس.

والسؤال، هل الحراك الداخلي في لبنان كافٍ للوصول الى انتخاب رئيس، أم أنّ الأمر يحتاج إلى اتفاق دوحة جديد؟

القوى السياسية، مختلفة اختلافاً عميقاً في ما بينها. هناك كلام بدأ يطفو على السطح عن تهميش يطال مكوّنات في النظام الطائفي، وعن ضرورة إعادة النظر في بنية النظام السياسي، الذي تمّ التجديد له في اتفاق الطائف لعام 1989 من القرن المنصرم.

النظام القديم الناجم عن تسوية 1943 والنظام الجديد الناجم عن تسوية 1989، هو ذاته النظام الذي يقوم على الأساس الطائفي. ما يعني أنّ الدولة في لبنان ليست لكلّ اللبنانيين، بل دولة مغانم يعود ريعها حصراً للطوائف والمذاهب، وليس للمواطنين.

وبين مطرقة المتمسكين بالنظام الطائفي، وسندان من يريد تأبيده على قواعد تنظم المحاصصة الطائفية، يبقى لبنان بحاجة ماسة إلى التخلص من هذا النظام الذي يتسبّب بحروب تكرّس الطائفية فيه، وتخرجه من جوهر هويته الوطنية وبالتالي من جوهر هويته القومية.

إنّ بلداً لا هوية جامعة له، لن يكون بلداً قادراً على صون استقراره وتثبيت مفهوم المواطنة الحقيقية، وحقيقة الانتماء.

وكي لا نبتعد عن جوهر الموضوع، فإنّ رئاسة الجمهورية مطلب وطني، لا يجوز التخلي عنه ولا يجوز التراجع عن إنجازه بأقصى ما يكون من سرعة مطلوبة. إلاّ أنه في الأزمة الراهنة لا يجوز التخلي عن مطلب التغيير الجذري في بنية النظام. وهذا التغيير يستهدف بناء دولة مدنية ديمقراطية عن قانون جديد للانتخابات النيابية، يعتمد على مبدأ النسبية في الدائرة الواحدة ومن خارج القيد الطائفي. إنّ هذا المطلب هو مطلب وطني وبالأساس مطلب قومي. وقد تقدّمت الكتلة النيابية القومية الاجتماعية باقتراح قانون للانتخابات النيابية على هذا الأساس.

اعتماد المحافظات دوائر انتخابية في انتخابات عام 1996 وفقاً لاتفاق الطائف كان يجب أن يُستكمل باتجاه اعتماد الدائرة الواحدة والنسبية. والآن هذا الأمر ملحّ، لأنه أساس التحصين، وأساس ضمان صحة التمثيل وارتقاء الحياة السياسية.

الأزمة الراهنة في انتخابات الرئاسة اللبنانية، لا بدّ أن تدفع الجميع إلى البحث الجدّي عن حلول جذرية لمعضلة النظام الطائفي، وهذا لا يتمّ إلا من خلال الرؤية التي يقدّمها الحزب السوري القومي الاجتماعي بدءاً من قانون الانتخاب إلى الوحدة الروحية والاجتماعية والثوابت الوطنية والقومية.

نائب في البرلمان اللبناني