دونالد ترامب​، حتى اللحظة، في أسوأ حال بعد "عاصفة" التسجيل "الإباحي" التي ضربت متن حملته الإنتخابية وزعزعت أركان قاعدته الجمهورية الى درجة تخلي رئيس الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب پول راين عنه، إضافة الى إعلان عشرات القيادات في الحزب الجمهوري عزوفها عن دعمه والدفاع عنه خوفا من خسارتها للأكثريتن في مجلسيّ الشيوخ والنواب.

ولايات ألاسكا ، يوتا وتكساس من الولايات "الجمهورية" الخالصة المحسومة النتائج سلفا للجمهوريين، وهذه حالها منذ ما يربو على أربعة عقود خلت. فآخر رئيس ديمقراطي فاز بولايتي ألاسكا ويوتا هو الرئيس جونسون عام 1964 ومنذ عام 1976 لم تنتخب ألاسكا ويوتا لأي مرشح ديمقراطي. يتقدم ترامب في هذه الولايات الثلاث "بشق النفس" على منافسته هيلاري كلينتون، ما يعني إمكانية خسارته في تلك الولايات إذا بقيت أصداء فضائحه تقض مضاجع حزبه وبالتالي خسارته المحتمة للإنتخابات العامة. وعلى فرضية فوزه بتلك الولايات ، فإن الفوارق ستكون طفيفة مما يؤشر الى كارثة كبيرة ستحل به في باقي الولايات "الجمهورية" و"المتأرجحة "على اعتبار أنه إذا كانت هذه هي الحال في "عرين" الجمهوريين ، فكيف ستكون في الولايات الأخرى ؟!.

أيضاً في ولايتي جورجيا وأريزونا " الجمهوريتين" فالنتائج متقاربة الى درجة التعادل بين الحزبين والحسم قد يكون ببضعة ألاف ، أو حتى بعدة مئات من الأصوات، الأمر الذي يضع ترامب أمام احتمال الخسارة في هاتين الولايتين . أضف الى ذلك الحملة الإعلامية الضخمة والمنظمة التي يتعرض لها ترامب التي تشترك فيها كبريات الوسائل الإعلامية الأميركية المسموعة والمقروءة وعلى رأسها ال-سي أن-أن و"الواشنطن بوست" و"النيويورك تايمز" وغيرها مما ساهم بتقدم كلينتون على ترامب الذي أقرّ بخسارته كماً كبيرا من أصوات النساء نتيجة "الفبركات الإعلامية" والقصص المفتعلة حسبما غرّد ترامب على تويتر.

استطاع الحزب الديمقراطي ان ينقل النزال الإنتخابي الى ملاعب الجمهوريين وأن يجعل أولوياتهم في الحفاظ على الأكثريتين في مجلسي الشيوخ والنواب ، بعد أن أمَّن وحصّن مناطق نفوذه التقليدية معتمدا على عثرات ترامب الآتي من عالم شبيه بعالم المافيات وعلى سجّله الفضائحي الممهور بحب جامح للشهرة والأضواء، حتى لو كلفه ذلك أن يخسر رهاناً (للأسف لم يخسر) ويُجتزّ شعره في حلبة مصارعة!. لم يتورع ترامب عن مهاجمة قيادات في حزبه وجهت له بعض النقد على خلفية سلوكياته المتهورة والمسيئة في آن للمرأة ولشرائح واسعة من المجتمع الأميركي المتعدد والمتنوع ، ليشكّل سابقة تمرد مرشح على حزبه لم تحصل في تاريخ الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. فهو وإن خسر السباق الرئاسي فإنه قد أسس أو في طور التأسيس لحالة خاصة في الحياة السياسية الأميركية ، وهو بحسب شخصيته المثيرة للجدل وشغفه بالشهرة ودخول التاريخ من الباب الواسع، من المؤكد أنه لن ينكفئ بحال الخسارة، بل سيسعى الى تشكيل إطار عام لحركته السياسية التي من الممكن أن يحولها الى حزب "ترامبيّ" أو "دونالديّ" يغرف من شعبية الحزب الجمهوري ويشقّه عملياً بعد أن نجح بشقّه نظرياً ويغيّر بذلك الخارطة الحزبية الثنائية التي حكمت الولايات المتحدة لأكثر من قرن ونصف ، فنصبح أمام ثلاثية حزبية أقواها الحزب الديمقراطي الحاكم الى ما شاء الله .. من الآن وحتى موعد المناظرة الرئاسية الثالثة والأخيرة مساء هذا الأربعاء من الشهر الجاري فإن المزيد من الفضائح ستثار بوجه الطرفين المتنافسين على حكم أقوى دول العالم .

لن يسكت ترامب وهو لن يأل جهدا في استغلال أدنى عثرة لسيدة البيت الأبيض السابقة و لزوجها بيل كلينتون، وقد بدأت الوسائل الإعلامية الداعمة لترامب بفضح أسرار الزواج "النفعي " السياسي بين هيلاري وبيل كلينتون القائم على الإستغلال المتبادل للسلطة والنفوذ للوصول الى سدّة الحكم مداورة ، وأنه بنتائج هذه الصفقة سكتت هيلاري عن خيانات زوجها المتعددة والمتكررة كما فعل هو معها وسكت عن خيانتها له . و وصل الأمر الى حدود التشكيك في أبوّته لابنته تشلسي.

بالمحصلة فقد أصبحت خسارة ترامب أمام كلينتون شبه مؤكدة بانتظار ترجمتها في الثامن من تشرين الثاني المقبل ، والتحدي الذي يواجهه الحزب الجمهوري اليوم هو المحافظة على سيطرته في مجلسي الشيوخ والنواب والأخطر تحدي الحفاظ على وحدته الداخلية وهو تحدٍ صعب ، خاصة وأن ترامب استطاع أن يشكل حالة جماهيرية خاصة على الساحة الأميركية أو "زعامة" شعبية إذا الصح التعبير وهي فرصة ثمينة لن يتركها ترامب تمر مرور الكرام . فهل يعيد التاريخ نفسه وينقسم الحزب الجمهوري على نفسه كما حصل مع الحزب الديمقراطي-الجمهوري قبل قرنين من الزمن؟.