قلبت اللعبة السياسية الدائرة هذه الأيام الأدوار، فقبل سنتين عندما خيّم الفراغ على قصر بعبدا كان تيار "المستقبل" المتّهَم بأنّه المعطّل الأساسي للإستحقاق الرئاسي، أما اليوم ومع تكاثر التسريبات حول إمكانية إعلان رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ دعمه ترشيح رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون للرئاسة، بات رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو المتهم.

"إنتخبوا عون رئيساً وأنا سأكون في المعارضة في العهد القادم"، قال بري، معلناً ما يشبه "الحرب" على عون، اليتي لا يدري أحد إلى ماذا يمكن أن تؤدّي، خصوصاً في هذا التوقيت الحسّاس.

لعبة تنظيم المصالح

ينتظر عون إعلان الحريري ترشيحه ليطلق رسمياً عجلة قطار الرئاسة ويكون قد عبّد طريقه الى بعبدا بالتفاهم مع "حزب الله" الذي نسجه عام 2006 واعلان النوايا مع "القوات اللبنانية" وأخيراً التفاهم الذي يخيط مضمونه بدقّة مع الحريري، ليبقى حتى الساعة سيد المجلس معترضاً أشدّ الإعتراض على وصوله إلى سدّة الرئاسة.

بالعودة الى التاريخ القديم، دخل بري اللعبة السياسية منذ أكثر من ستة وثلاثين عاماً، وهو ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط كانا من أكثر الأشخاص الذين اتقنوا لعبة المصالح داخل النظام السياسي من حينها، وبالتالي لن يسلموا بأي عهد قادم دون تنظيم مسبق لمصالحهما فيه. هذا ما يراه المحلل السياسي ​وسيم بزي​ عبر "النشرة"، لافتاً في نفس الوقت الى أن "هذا ما حصل في العهود السابقة باستثناء وحيد جرى على عهد رئيس الجمهورية السابق اميل لحود ولكن الوجود السوري حينها نظّم اللعبة". بدوره، يشير المحلل السياسي ​علي عيسى​ الى أن "بري طرح سلّة متكاملة للحلّ، وكان مصراً في آخر جلسة عقدت للحوار أن يخرج بصيغة متكاملة، وهذا ما لم يحصل"، معتبراً أن يده بقيت على الرغم من ذلك "ممدودة للحوار والتلاقي".

أسباب رفض بري

ينتهج بري سياسة التصعيد في المواقف في وقت يقترب فيه الحديث عن إنتهاء "طبخة" رئاسة الجمهورية، هنا يرى بزي أن "بري يعتبر أن وصول عون لرئاسة الجمهورية يشكّل خطراً استراتيجياً عليه داخل النظام السياسي"، مشيراً الى أن "ثلاثة أسباب تخيفه وتدفعه الى رفض عون أولها أنه ومن العام 2005 يعيش حالة توجّس من الخيار العوني، ثانيها أن هناك تضاربًا مفاهيميًا بالنظرة الى الدولة والبلد، وثالثها المحطات المرّة بين الطرفين وأبرزها اللقاء الارثوذكسي، التمديد لمجلس النواب عدّة مرات، وغيرها من المحطات التي جعلت مساحة التناقض أكبر بكثير من مساحة التلاقي بينهما".

وفيما يلفت بزي الى أن "عنصر الجمع بينهما هي نظرية "حليف الحليف" وهي كانت كنوع من ربط نزاع إيجابي بينهما أكثر مما كانت قاعدة عمل إيجابية"، يعتبر عيسى في المقلب الآخر أن "بري يتقن فنّ اللعبة الديمقراطية ولديه رؤية وطنية متكاملة وطرح سياسي، ولكنّه سيكون في خط المعارضة"، مشدداً على أن "بري لن يعطل جلسة إنتخاب الرئيس وهو أكد مرارا بأن مرشحه للرئاسة هو رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​"، ومضيفاً: "الجلسة في نهاية الشهر قائمة ولكن اذا تم النصاب او لا أو حتى اذا جرى التصويت ام لم يتم فهذا شيء آخر".

بري يضغط على الحريري

في سياق الحديث نفسه، ترى مصادر مطلعة عبر "النشرة" أنه، وقبل أن يلجأ الحريري الى تسمية عون، كان بري يخوض معركة منعه من الوصول للرئاسة، لافتةً الى أن رئيس المجلس النيابي، وبتصعيده هذا، قد يشكّل قوّة ضغط تمنع الحريري من التسمية، "أما وفي حال فعلها الأخير فإن بري سينتقل الى المرحلة الثانية، وعندها قد يرفع سقف التفاوض مع عون ويحمّل الأخير أثمانًا كبيرة للسير به"، وهنا تشدد المصادر على أن "حزب الله" حريص على أن يكون عهد عون مشمولا بالتفاهم مع بري".

سيناريو جلسة الانتخاب

من جهة ثانية، تشرح المصادر سيناريو جلسة إنتخابات الرئاسة في ظل بقاء سليمان فرنجية مرشحا أو إنسحابه، لافتةً الى أنه "وحتى الساعة عون مصرّ على عدم النزول الى اي جلسة وفرنجية مرشح فيها"، مشيرةً الى أنه "وعند اعلان الحريري ترشيح عون سيلعب "حزب الله" دورا لإقناع فرنجية بالانسحاب، ولكن قد يكون ذلك صعباً في ظل حلف فرنجية- بري القائم". هنا تشدد المصادر على أن "عون قد يكون أمام الخيار الثاني وهو النزول الى الجلسة في ظل بقاء فرنجية مرشحاً"، مضيفةً: "عون قد يكون قلقاً من كمين معدّ له حينها تفرضه طبيعة اللعبة"، لتعود المصادر وتستبعد هذه الفرضية، مشددة على أنها "ليست لعبة أطفال إنما لعبة أمم وبالتالي لن تحصل".

في المحصلة تبقى العين على جلسة 31 تشرين الاول وما يمكن أن تحمله من مفاجآت، ليبقى السؤال: هل ستطيح نبرة بري العالية برئاسة عون أم أن "الطبخة" اكتملت وتنتظر الاخراج اللازم لها الذي قد يحتاج ربما الى ابعد من هذا التاريخ لاتمامها؟!