يتساءل دبلوماسي أوروبي سابق عمل في عدد من دول الشرق الأوسط: ألم تتفهّم عواصم الغرب وواشنطن بعد أن الإرهاب الذي غذوه ودرّبوه، لن يستثنيهم، وقد رأينا الكثير من فصوله سواء في 11 أيلول 2001، أو في السنتين الأخيرتين في باريس وفي أكثر من مكان من أوروبا، وأيضاً في الشرق الأوسط، كما حصل ويحصل في مصر، وفي حضن من سهّل وحمى وتاجر مع المنظمات الإرهابية، ويعني بها تركيا، وحتى في السعودية التي خرج منها آلاف الانتحاريين الذين قتلوا بأعمالهم الانتحارية الإجرامية عشرات الآلاف في سورية والعراق، ولم يسلم من بعض فصولها لبنان؟ معيداً التذكير هنا بمجموعة الـ13 التي اعتُقلت عام 2005، وبمجموعات الضنية في اليوم الأول من سنة 2000، وغيرها الكثير من الأعمال الإرهابية.

وبرأي هذا الدبلوماسي أن وجود الإرهابيين وأعمالهم الإجرامية في مختلف الأمكنة والعمليات الإرهابية التي نفّذوها في عدة عواصم وأمكنة، لم يُثنِ دول الغرب عن مواصلة اتجاهاتهم السياسية والاستعمارية الخطيرة في دعم الإرهابيين، وحتى في توفير ملاذات آمنة لهم في كثير من الأحيان، وهو ما أخذ يعرّض أمن المواطنين الأوروبيين للخطر، وكأنه لا يهم الحكومات مصير ناسها ومواطنيها، وهذا برأي الدبلوماسي نهج استعماري قديم، يعمل المؤامرات حتى على مواطنيه وشعبه، وإن قتل منه المئات أو الآلاف من أجل نهجهم الاستعماري، أو حروبهم التي يريدونها من أجل السيطرة والاحتلال، سواء لتصريف انتاجهم وبضائعهم أو تسويق أسلحتهم.

ويلفت الرجل، وهو صاحب خبرة كبرى في الممارسات الدبلوماسية والسياسية، إلى أنه رغم التراجع الخطير في شعبية الساسة الحاكمين في أكثر من دولة أوروبية، خصوصاً في فرنسا، حيث تدنّت شعبية فرنسوا هولاند، جراء سياساته الهوجاء بشكل غير مسبوق في تاريخ فرنسا، إلا أنه مستمر في سياسته الرعناء بالعداء للدولة الوطنية السورية، وتوفير الدعم للمجموعات الإرهابية بأشكال مختلفة.

ولا ينسى هذا الدبلوماسي أن يشير إلى اعترافات المرشحة الرئاسية الأميركية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بدور واشنطن في ولادة "داعش"، متسائلاً: من أين جاءت كل هذه التنظيمات الإرهابية؟ وكيف دخلت إلى سورية منذ بداية الحرب الكونية عليها نحو نصف مليون إرهابي أجنبي؟

ومن التساؤلات الهامة التي تُطرح: كيف أن دولاً شرق أوسطية كالسعودية وقطر، اللتين لا يوجد فيهما أبسط أشكال الديمقراطية، حيث توارث السلطات والثروات، يصيران من دعاة الديمقراطية في بلاد الشام، ويمنع حتى قيادة السيارة على المرأة السعودية، في وقت حاولت الرياض أن تحارب العالم بمصدر ثرواته الطبيعية، خصوصاً روسيا وإيران وفنزويلا والبرازيل والجزائر، بضخّها خارج اتفاقيات اوبك أكثر من مليون برميل نفط يومياً، مما جعل الأسعار تتدهور بشكل سريع، وكانت أكبر الخاسرين بفوضى النفط التي خلقها فقدمت بذلك خدمة لحاميتها واشنطن من جهة، وأفضت إلى توقف كثير من مشاريع البناء والتنمية في الدول المذكورة، لكنها لم تؤثر عليها بنيوياً، بسبب تنوع اقتصادات هذه الدول من جهة أخرى، على أن أكثر من تضرر من هذه السياسة الرعناء هي السعودية نفسها من جهة ثالثة، بسبب حروبها الطائشة في اليمن وسورية والعراق وتهديدها لدول الخليج إن خرجت عن طوعها، وهو بأي حال أخذ ينعكس في الداخل السعودي بشكل خطير، حيث جمر الصراعات بين العائلة المالكة تنقد تحت رماد الخوف الذي يلوح أمامهم حول مصير مملكتهم، وتوقف كل مشاريع التنمية والإعمار وبرامج المساعدات، وصار حجم العجز في خزينة الدولة يتجاوز سنوياً الـ200 مليار دولار، في الوقت الذي لم يعد الغرب وواشنطن يستطيعون أن يتستروا على المجازر الإرهابية الفظيعة التي ترتكبها الرياض في اليمن.

أما في واشنطن، فإن كل حديث عن إرهابها يتوقف عند ما قاله المحلل العسكري روبيرت الان: إن التطور الخطير الذي قامت به أميركا بضرب مواقع الجيش السوري في دير الزور بالتزامن مع هجوم تنظيم "داعش" الإرهابي على المطار العسكري قبل أسابيع يعطي مؤشراً كبيراً إلى أن لواشنطن تواصلاً مباشراً مع القادة الميدانيين لتنظيم "داعش" الإرهابي، لأن شكل الضربة الجوية أتى بشكله التكتيكي كان لتأمين طريق آمن لتنظيم "داعش" للدخول إلى المطار الذي عجز عن دخوله مدة تزيد عن خمسة سنوات.

وقال روبيرت إن أميركا أوصلت رسالة إلى الروسي إن هذه هي حدودنا والسيطرة الخاصة بنا، ولن نسمح بأي تغيير لصالح الجيش السوري في المنطقة، وأيضاً كي لا يظن الروسي أنه يمكن أن يُحرج أميركا في الساحة الدولية سياسياً أو عبر مجلس الأمن بكشف بنود الاتفاق.

أما التركي، الذي أخذ يجنح بعد محاولة الانقلاب الفاشلة نحو مزيد من الديكتاتورية والغطرسة العسكرية، فإنه من الواضح أنه بدأ يعض ذيله حسب تعبير الدبلوماسي الأوروبي، فلم يعد أردوغان يتحمّل ما بقي من معارضة إعلامية، وها هو الآن يحاول أن يغلق صحيفة "جمهوريات"، وهي أقدم الصحف التي صدرت مع إعلان الجمهورية التركية عام 1923، حيث تتعرض للمضايقات الحكومية واعتقال رئيس تحريرها، وعدد من محرريها، وما زال أردوغان يهدد الجريدة ويتوعدها، في نفس الوقت الذي بدأ يهدد نواب من المعارضة، ويتوعد "حزب الشعوب الديمقراطية"، ويعتقل عدداً من مسؤوليه في المناطق والبلديات التركية... بشكل بات فيه الحديث واسعاً عن حرب أهلية محتمَلة في العديد من المناطق التركية، مما سيجعل وحدة تركيا على المحك في ظل الإرهاب الأردوغاني المتصاعد، والذي بات يخشى حتى من ظله.

المهم، لنتابع التطورات، كما يؤكد هذا الدبلوماسي، ليس في سورية وحسب، بل على المدى الجغرافي للحدود السورية، من لبنان بعد وصول العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن كابرت الرياض وواشنطن كثيراً برفضه، إلى العراق إلى الأردن إلى تركيا.

ثمة عالم سيتغير حتماً، كما يؤكد الدبلوماسي، فالأسبوع المقبل: انتخابات رئاسية أميركية ستقود في كل الحالات بلاد العم سام إلى التقهقر لأن المنافسة بين فاسدة ومرتشية، اسمها هيلاري كلينتون ومجنون اسمه دونالد ترامب، وهولاند بعد أقل من 7 أشهر الى التقاعد في مزابل التاريخ..

تابعوا خريطة السياسة العالمية وحركتها تتكشف جوانب من المستقبل، ألم يقل بوتين عام 2012: من سورية سيولد النظام العالمي الجديد؟