يشتد الصراع الأميركي الأطلسي - الروسي على مدار الكرة الأرضية، متجاوزاً ما كان سائداً أيام الاتحاد السوفياتي فيما سُمّي بالحرب الباردة، ليصل حالياً إلى الحرب الفاترة، مسنوداً إلى حرب إعلامية شرسة من جانب الغرب لشيطنة روسيا الناهضة من كبوتها، لتعود العدو الرقم واحد للولايات المتحدة الأميركية، لاسيما أنها تمتلك أسلحة فتّاكة من جميع الأصناف، إضافة إلى تفوُّق ملحوظ في الصواريخ النووية.

إن العائق الوحيد الذي تراه الولايات المتحدة في قدرة روسيا على مجاراتها، هو القوة الاقتصادية، وهو ما تُقرّ به روسيا بلا أدنى تفاخر، ولذلك فإن الصراع الذي يتخذ أكثر الصور ترهيباً يدور في هذه الحلقة، خصوصاً من باب العقوبات الاقتصادية والتجارية، وحتى على الأفراد؛ في محاولة لزعزعة الاقتصاد الروسي، على اعتقاد أن هذه البوابة يمكن من خلالها النفاذ لتقسيم روسيا من وجهة نظر اقتصادية أميركية، بموازاة الانتشار العسكري في حدائق روسيا الخلفية والأمامية، من خلال مفهوم الاستنزاف للقدرات المالية الروسية.

فالحلف الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة يواصل عمليتي الاندفاع والاستفزاز، ليس فقط في أوروبا الشرقية التي كانت جزءاً من حلف وارسو قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، بل إلى دول البلطيق المجاورة لروسيا، والتي كانت من ضمن الدول المنضوية في الاتحاد السوفياتي.

لقد شكّل اجتماع وزراء دفاع دول الحلف الأطلسي الذي عُقد في بروكسيل مؤخراً، تحت شعار "تعزيز القدرات الدفاعية والأمن"، وتلاه اجتماع وزراء الدفاع في المنظومة الملحقة في باريس مؤشراً خطيراً على النوايا العدوانية، سيما مع إعلان متشدد بنشر قوات في كل من بولندا ولاتفيا واستونيا وليتوانيا، من قوات النخبة الأطلسية المزوَّدة بتجهيزات عالية التقنية، مع موافقة عشرين دولة في الأطلسي على الاشتراك في تلك القوات ذات النوايا العدوانية، وأبرزها إلى جانب القوات الأميركية، بريطانيا وألمانيا وكندا وفرنسا.

ويشنّ الغرب بموازاة هذا الانتشار الذي يهدد بتفجّر الوضع، حملة إعلامية غير مسبوقة، استناداً إلى تجربة الحرب الباردة التي انتصرت فيها الولايات المتحدة باعتقاد واهم أن القدرة الروسية سوف تتلاشى عند أي تهديد، بحيث يجري التلويح بحرب عالمية ثالثة للإطاحة بالقوانين الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية ضمن حملة التخويف من صواريخ روسيا المتفوّقة، وصولاً إلى طرح السؤال المرعب: "متى تندلع الحرب"؟

إن المواجهة الروسية - الأطلسية الأميركية مركونة إلى غطرسة اميركية غير مسبوقة، وكأن الصراع الحالي لا محالة سيكون ختامه حرب لا تُبقي ولا تذر، باعتبار أن المواجهة كانت واقعة قبل انهيار الاتحاد، وتأجّلت بسبب ذاك الوضع عام 1991، وهي الهاجس الذي تريد الولايات المتحدة أن يكون العالم تحت وطأته، ولذلك فإن التخبّط الذي وقعت في أتونه الولايات المتحدة، أنها في سورية أو العراق، وحتى اليمن، شريكة في جرائم الحرب في تلك الدول، وتريد تعويضه على أبواب روسيا، انطلاقاً من فهم أن وجود روسيا في سورية أحبط النتائج التي كانت الولايات المتحددة تتوسّمها، ولا سيما في سورية واليمن.

يحاول الأطلسيون بدأب جرّ الروس إلى حرب لا يريدونها بالمبدأ، مع التركيز على ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية، للحدّ ما أمكن من البلطجة الأميركية، ولذلك قالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلا لبس: لا داعي لاستفزاز روسيا وجعلها تدافع عن مصالحها بطرق أكثر قوة وفاعلية، دعونا نعمل سوياً لنتفق على شيء، وهذا الشيء غير مستحيل.. لكن مع الأسف ما نتفق عليه لا ينفَّذ".

الخلاصة تعني أن روسيا تقبل التحدّي، لاسيما في ظل التصعيد المتواصل، ولذلك هناك أكثر من فرضية، وجزم بعدم السماح للولايات المتحدة بمواصلة سياسة الغطرسة السياسية والعسكرية لتحقيق أهداف تتعارض مع أبسط القوانين الدولية.