بعد انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، سأل رئيس حزب سابق ينتمي الى قوى "​8 آذار​": من فاز 8 أو 14 آذار؟ كان هذا السياسي العريق يستند الى تصريحات صقور الفريقين، كل فريق ينسب الفوز اليه. لولا صمود حزب الله الى جانب "التيار الوطني الحر" ما كان وصل عون الى بعبدا، ولولا تبني رئيس حزب القوات ​سمير جعجع​ ترشيح "الجنرال" ما إضطر رئيس تيار المستقبل ​سعد الحريري​ للتخلّي عن ترشيح رئيس تيّار "المردة" النائب ​سليمان فرنجية​ وتبني عون للرئاسة. أيضاً لولا "الانقلاب" في موقف الحريري لبقي "الجنرال" مرشحاً حتى الساعة من دون إنهاء الشغور في كرسي الرئاسة، ولو لم تكن الادارة الحكيمة لرئيس مجلس النواب نبيه بري في جلسة الانتخاب واصراره على عدم المضي بطرح المقاطعة والتعطيل ما كانت حُلَّت أزمة الرئاسة في لبنان. إذا الجميع له الدور والفضل. من فاز اذاً؟

عزز هذا السؤال زيارات المسؤولين السوريين والايرانيين، ثم السعوديين والقطريين وقبلهم المصريين، اضافة الى اتصالات الفرنسيين. لابأس أن تكون مساحة الفوز مشتركة وعابرة للحسابات والتموضعات. هذا الامر مصدر قوة لرئيس جمهورية يُفترض ان يكون لكلّ اللبنانيين، ضامناً وحكماً، لا ميل له الى فريق على حساب فريق آخر.

ما نُسب الى الرئيس عون في إحدى الصحف، وتمّ تصحيحه وتصويبه من قبل المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية يؤكد رغبة "العهد الجديد" بأن يكون لكل اللبنانيين. لكن هل هناك من يدفع ليصوّر الرئيس الجديد على انه منحاز الى فريق دون آخر؟

ربما يكون أحد الفرقاء المتضررين ضمناً من أيّ نجاح للعهد هو الذي يريد ان يوحي أن الرئيس عون هو لطائفة لا رئيساً لوطن. قد يكون هذا الفريق من أشد المؤيدين للعهد في الشكل، فيما لا يناسبه ان ينجح مؤسس "التيار الوطني الحر" حاكماً على مساحة الوطن.

نجاح العهد يفرض اولاً ان يشعر بأبوّة الرئيس لكل المواطنين في كل الطوائف والمذاهب والقوى. النجاح لا يتحقق من دون صنع الفرق. هذا لا يكون من دون قانون انتخابات عادل يواكب تطورات العصر. اذ لا يجوز التنازل عن صيغة النسبية التي تضع لبنان على سكّة تمثيلية صحيحة.

والنجاح لا يتحقّق من دون دولة مدنية، لطالما نادى بها "التيّار". مصلحة اللبنانيين تقضي بالمضي سريعاً نحو تلك الدولة، واولهم المسيحيين الذين لا يناسبهم الدخول في جدل الشراكة على أساس طائفي. قد يخرج من يقول غداً: دعونا نستند الى العدد. في تلك اللعبة ضياع للمسيحيين، وبالتالي لكل اللبنانيين. كما ان التهديد بلعبة الشارع خاسرة، لأن كل شارع يقابله شارع، وكل خطاب مذهبي يقابله خطاب شبيه، وكل انحياز مناطقي يولِّد تشدداً مناطقياً. يخطئ من يظن اليوم ان الخطاب المسيحي المتشدّد هو مصلحة للمسيحيين. هو يستولد خطاباً متشدداً مقابلاً. عندها لا تنفع الخطابات لحظة الدخول في سباق الاحجام.

مصلحة المسيحيين تقضي بالعمل سريعاً نحو فرض الدولة المدنيّة. لا استحضار ال​قانون الانتخاب​ي الأرثوذكسي. مصلحة المسيحيين تفرض عدم مخاصمة او تحدي طوائف أخرى، لا بل جعل المسيحيين حكماً بين الجميع. هم مطلب كل الطوائف، والخشية ان يستبدلوا دورهم الوطني للذهاب الى انعزالية او استخدام خطاب "شوفيني(1)ضيق الأفق.

المخاوف موجودة ترافقت مع خطابات سياسية حزبية وتعالٍ رُصد في مواقف عالية النبرة، يخشى لبنانيون ان تضر بسمعة العهد. ومن هنا تتعدى المسألة تأليف حكومة، أو فيتو تم وضعه على حقيبة أساسية لتيار المردة، أو رغبة بإختصار كل القوى المسيحية في تيار وحزب.

كان يمكن التعامل مع القوى الأخرى على أساس الربح والخسارة لو كنّا في دولة مدنية، لا دولة طائفية. اما والحال في طوائفية الحسابات السياسية اللبنانية، لا يستطيع اي فريق إلغاء او إقصاء آخر. ستثبت الانتخابات النيابية ذلك.

من هنا يبدو ان لا فوز لمحاور في لبنان، ولا انتصار لفريق على فريق. فلو صحّت المعادلة الإقليمية القائمة في مضي المحور السوري-الإيراني نحو الانتصار وترجمة الامر في لبنان، كانت ​القوات اللبنانية​ استُبعدت عن الحكومة بدل مكافأتها في نيلها حقائب عدة، ووضعها الفيتو على تيار المردة ابرز حلفاء المحور المذكور، او على الأقل لم يكن الحريري ليُكلَّف تأليف الحكومة. إنّ دولة الطوائف أقوى من أيّ محور او حسابات او إصلاحات. لا أمل بتجديد ولا تغيير ولا محاربة فساد من دون دولة مدنية. وبشائر تلك الدولة تبدأ بالانحياز لمكافآت وطنية لا تموضعات وثأرية طائفية ومذهبية وحزبية مصلحية.

(1)الشوفينية هي الإعتقاد المغالي في الوطنية، وتعبر عن غياب رزانة العقل والإستحكام في التحزب لمجموعة ينتمي إليها الشخص والتفاني في التحيز لها؛ وخاصّة عندما يقترن الإعتقاد أو التحزب بالحط من شأن جماعات نظيرة والتحامل عليها، وتفيد معنى التعصب الأعمى.