صحيح أنها معارك دموية في سوريا و​العراق​؛ وصحيح أن "داعش" يحارب بالمبدأ "الجميع"؛ إنَّما، أين الحرب من أخواتها؟!. فصائل وتنظيمات وتسميات اختلط وصفها بين معارضة مسلحة وأخرى معتدلة وتنظيمات ارهابية. الحقيقة؛ بعضها وُضِع على قوائم الإرهاب الدولية وبعضها الآخر يحظى بالدعم الخارجي جهاراً.

الواقع، ان داعش تنهزم علناً أمّا أخواتها فقصة أخرى.

نستطيع بعد حلب و​الموصل​ القول بجرأة كبيرة أنّ ثمة مشروعاً هائلاً قد تهاوى .لو أنّ في السياسة اليوم كرامة وليس مصالح، لكان يفترض على مَن نادى بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد واعتقد أنّه قاب قوسين أو أدنى من السقوط أن ينكفئ إلى الأبد أو يصمت إلى الأبد.

هذا ما حصل مثلاً في ​الانتخابات الرئاسية​ الأميركية. أصمتَ الشعب سياسة الرئيس الأميركي باراك اوباما.

هذا ما حصلَ في مصر بإسقاط محمّد مرسي واليوم موقف الرئيس المصري عبدالفتّاح السيسي من سوريا تحوّل بشكل واضح.

والكثير من المواقف الدولية التي باتت تظهر ليونة تجاه القضية السورية إمّا علناً أو بواسطة موفدين ومبعوثين زادت حركتهم باتجاه دمشق في الآونة الأخيرة .

إلّا في لبنان، يتقاسمون "النصر" على مأدبة الحكومة.

لا شكّ أنّ مَن ساهم في إبقاء سوريا صامدة عسكرياً وسياسياً وأسقط مشروعاً دولياً وإقليمياً تكفيرياً إرهابياً لن يقوم بتقديم الحلوى لمن حاولوا سفك دمه.

لائحة المهزومين بعد معركتي حلب والموصل طويلة، نبدأ بالمشروع التفتيتي التقسيمي إلى سياسة الأطلسي و​اسرائيل​ وتركيا وبعض دول الخليج .

صدق فلاديمير بوتين بطرحه مبدأ "العدالة الدولية الجديدة".

والغارة الأخيرة التي قام عليها الطيران الحربي الإسرائيلي ما هي إلّا رسالة عسكرية واضحة لكلّ من سوريا وحزب الله برفضها للهزيمة المقبلة عليها.

ليست الحرب مع اسرائيل الآن حكيمة التوقيت. هذاما يبرر الإرباك الذي تخبّطت به المرجعيات الرسميّة في سوريا ولبنان حيال الردود أو البيانات الرسمية التوضيحية أو الإستنكارية، أو الإجراءات القانونية بوجه ما أقدمت عليه اسرائيل خارقةً الأجواء اللبنانية والسورية. وإسرائيل تُدرك تماماً أنها لا يمكنها الدخول الآن في أي حرب مع جيرانها .

وهي تُدرك أنّ قدرة "حزب الله" الصاروخية باتت أكبر عما كانت عليه في العام 2006 والتقارير الأميركية التي نشرت في هذا الإطار ذكرت أنّ لدى الحزب 130 الف صاروخ بعيدي المدى مع رؤوس متفجرة.

أمّا لجهة العديد في حزب الله، فأعداد المنتسبين الجدد والملتحقين الذين يخضعون لتدريبات؛ تتخطى التوقّعات.

في السياق عينه، لا بدّ من الإشارة إلى تحوّل أساسي طرأ نتيجة الحربين السورية والعراقية سينعكس حتماً على أي حرب برّية قد يشنها العدوّ في المنطقة لصالح محور المقاومة .

إنّه التعاون العسكري البرّي بين سوريا، العراق وحزب الله وغيره من الأطراف المحاربة للإرهاب.

ما كشفه القيادي في الحشد الشعبي العراقي رئيس منظمة بدر هادي العمري منذ اسبوعين أنّ عناصره ستدخل سوريا بعد تحرير العراق من تنظيم "داعش" الإرهابي لم يكن عن عبث، لا سيّما ذكره أنّ الحكومة السورية برئاسة بشار الأسد وجهت دعوة لقيادات الحشد الشعبي لدخول سوريا بعد إكمالها تحرير العراق.

فما يصحّ اليوم بهذا المشهد تجاه الإرهاب حتماً سيصحّ تجاه أي غزو اسرائيلي.

صعبٌ أن يقبل المنهزمون الهزيمة؛ وصعب أن يصافح من أُريقت دماءه أيدي سفّاكيه. نحن أمام مرحلة قادمة فيها من المعارك الدموية الكثير. بعد حلب والموصل مدن وأرياف أخرى سيلتجئ إليها الإرهابيون لن تكون عصيّة على من يحاربها. أمّا في المقلب السياسي، لا شكّ أنّ أنظمة ورؤساء دعموا ومولوا وساندوا تنظيمات ارهابية سيسقطون. وأيضا هذه المرّة باسم "الديمقراطية". وحتماً ستتعطّل حكومات أيضاً. فالوزارات السياديّة مفصلية عند تغيّر الدول.

الأكيد أن بعد حلب والموصل ميزان القوى الدولية سيتغير، ومعه مجلس الأمن. فالقضية لم تعد إسقاط رئيس بل باتت إسقاط معادلات دولية . وسيبقى من يهلّل لنصر متسلّقا أكتاف المنحنين أو منبطحاً لعدو يهاب من وهمه ولا يرى وهنه.