على الرغم من مجموعة التهديدات التي تضمنتها رسالة المتحدث الجديد باسم تنظيم "داعش" الإرهابي، أبي الحسن المهاجر، إلا أنها عكست في طياتها صورة "الإنكسار"، الناجم عن الواقع الذي يمر به التنظيم في المرحلة الراهنة، نتيجة الحملات العسكرية التي تستهدف معاقله الأساسية في سوريا والعراق.

خطوة تعيين متحدث رسمي باسم "داعش"، بعد مقتل السابق أبو محمد العدناني، قد تكون هي الأبرز من حيث الشكل، نظراً إلى الدور الذي كان يقوم به السلف على مستوى نقل رسائل التنظيم إلى العالم. ومن المؤكد أن إختيار المهاجر لم يكن عشوائياً بل خضع لدراسة مطوّلة لتحقيق الأهداف المرجوّة منه، فالرسالة الأولى له جاءت بعد ما يقارب 3 أشهر من إغتيال العدناني.

في المضمون، كان لافتاً إنطلاق المهاجر في رسالته بدعوة "أخوة الجهاد" إلى "الصبر"، معتبراً أن "المحنة" التي يمرون بها ليست إلا "حلقة من حلقات الإبتلاء التي يرحم بها عباده"، ثم "تهيئتهم لحمل أمانة أثقل ومسؤولية أعظم"، متحدثاً عن تعرض "دار الإسلام" و"أرض الخلافة" لحملة لم يرَ التاريخ مثيلاً لها في سالف الأزمان، في إشارة إلى الحملات العسكرية التي تستهدف التنظيم، في حين أن المطلوب، من وجهة نظر قيادة "داعش"، "الصبر" لا "الفرار" من المعركة، خصوصاً في مدينة تلعفر التي سعت الحكومة التركية سابقاً إلى إبعاد قوات "الحشد الشعبي"، القريبة من إيران، عنها.

هذه الدعوة إلى الصبر والصمود، تكررت في الحديث عن الواقع في ريفي الرقة الشمالي وحلب الشمالي، مع السعي إلى اللعب على وتر النعرات الإجتماعية والمذهبية، ففي الرقة تم التركيز على أن من يقود العمليات العسكرية، من جانب قوات "سوريا الديمقراطية"، امرأة، بينما في الباب تم الحديث عن عودة الأتراك لتكرار ما فعله أجدادهم لينالوا من "دولة المسلمين" و"جماعتهم".

وفي حين كان التركيز في مختلف وسائل الإعلام على التهديدات التي وجهت إلى تركيا، تضمنت رسالة المهاجر دعوة إلى إستهداف من وصفهم بـ"علماء السوء" و"دعاة الفتن"، بسبب الدور الذي يقومون به على مستوى التحريض على "داعش" والتحذير من الإنجرار إلى أفكاره، من دون أن ينسى اللعب على وتر التحريض المذهبي، عبر الحديث عن إيران، التي تحدث عن أنها "فتكت بأهل السنة في العراق والشام عبر وكلائها وخبرائها ومستشاريها"، إلا أن الأبرز يبقى السعي إلى تحريض العامة لمساعدة التنظيم، الأمر الذي يحمل الإشارة الأبرز على "الإنكسار"، عبر القول: "الإسلام يستصرخ فانصروه، والعرض يستنجد فأغيثوه"، حيث لم يتردد المتحدث بالتأكيد أنه يسعى إلى "إستنفارهم"، لا سيما أن "الدفاع عن شريعة الإسلام"، بحسب قوله، "ليس حصراً على المجاهدين".

ما تقدم يعكس حجم المعاناة التي يمر بها "داعش" في هذه الأيام، وسط الأنباء عن "إنشقاقات" تحصل في صفوفه، كان آخرها "فرار" 5 أشخاص من الرقة إلى إدلب، التي تسيطر على القسم الأكبر منها جبهة "فتح الشام"، بينهم أبو ذر التونسي وبلال الشواش، في مؤشر إلى أن الجبهة ربما تكون الوجهة التي سيذهب إليها من ينجح بالنجاة من المعارك من عناصر التنظيم، الأمر الذي من الضروري التوقف عنده، لا سيما أن "فتح الشام" كانت، قبل وقت قصير، قد قبلت "بيعة" جماعة "جند الأقصى" المتهمة بالتعاون مع "داعش"، وهو ما دفع قيادة الأخير إلى توجيه دعوة، إلى "المتعاطفين" معه، للإلتحاق بركب "الجهاد" ونصرة "المجاهدين".

في السياق نفسه، تضمنّت رسالة المهاجر دعوة إلى تنفيذ عمليات إرهابية في مختلف أرجاء العالم، معتبراً أن هذا النوع من العمليات قادر على قلب الموازين، لكن الأهم هنا هو، بالنسبة إلى التنظيم، صرف "فوهة مدفع الكفر عن المسلمين"، فـ"داعش" يعتقد أنه من خلال إستهداف البلدان الغربية يمكن دفع قياداتها إلى التراجع، مع العلم أن التجارب تثبت العكس، وربما تكون هذه الدعوة تجرّ نحو المزيد من التدخل، الأمر الذي يدفع إلى القول بأن التنظيم يقدم المزيد من الخدمات إلى من يرغب في "الإستثمار" بالحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط.

في المحصلة، "داعش" يعترف اليوم بشكل مباشر بصعوبة المعارك التي يخوضها عناصره في سوريا والعراق، لكنه على ما يبدو قرر الذهاب نحو المواجهة عبر الدعوة إلى الصمود والقتال وتنفيذ عمليات في الخارج.