هل تجرعت تركيا سمّ الإرهاب وابتلعته؟ هل فقدت أجهزتها الأمنية القدرة على وقف الاعتداءات الإرهابية داخلها؟ سؤالان محيّران، إذ كيف تتحوّل الدولة التي كانت تنشط فيها مكاتب دعوة "جهاديي" العالم للقتال في سوريا إلى الأكثر تعرضاً للاعتداءات الإرهابية؟

في العام 2016، قال الكثير ممن يؤمنون بنظريّة المؤامرة إن الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​ يريد إستغلال العمليّات الإرهابية لتبرير تدخله المباشر في الشمال السوري، والأمر نفسه ينطبق على ما قيل عن محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث اعتبر البعض أن الرجل دبّرها لضرب معارضيه، لا سيّما الداعية فتح الله غولن.

في الواقع، بات من الصعب على المؤمنين بتلك النظرية تبرير تصاعد عمليّات الإرهاب في تركيا، فهي اليوم في عين العاصفة في حين أن رهانات أردوغان الخارجية تخسر، وبالتالي عليه الدفاع عن بلاده من الداخل كي لا يكون مصيرها شبيه بمصير دول المنطقة، فتقسيم سوريا والعراق لن يمرّ من دون تقسيم تركيا حسب ما يرى مراقبون، في حين أن الحلم في إقامة اقليم كردي في العراق أنجز، وفي سوريا يسعى الأكراد لتثبيت حدود إدارتهم الذاتية وتحويلها لفدرالية.

لم تعد تركيا كما كانت عليه قبل العام 2011، خسرت نفوذها في سوريا ومصر، المقاتلون في الأولى اصبحوا عبئاً على الامن التركي، وأردوغان يعلم تفاصيل الأمر ويدرك أنه أمام معضلة مئات "الجهاديين" الذين قاتلوا في سوريا ويتواجدون على أرضه، وفي الوقت نفسه يريد قتال "داعش" في مدينة الباب والرقة، ولا يمكنه ترك المنطقة خوفاً من تمدّد الأكراد.

في العام 2007، كانت تركيا في المرتبة التاسعة، بالنسبة إلى الدول الأكثر استقطابًا للسيّاح، وفي العام 2014 وصلت إلى الذروة بحيث أصبحت في المرتبة السادسة متخطيّة بريطانيا وألمانيا، حيث زارها 38 مليون سائح، إلا أن هذه المؤشرات لم تدم طويلا إذ شهدت في العام 2016 هبوطاً حادًّا، تجاوز 30 في المئة، وقدر حجم خسائر السياحة بسبب العمليات الإرهابية بـ8.5 مليار دولار، كما تراجعت الليرة التركية أمام الدولار لمستوى تاريخي جديد بعد اعتداء اسطنبول الأخير.

انهيار السياحة والليرة التركية ينسحبان أيضا على فقدان السيطرة على الأمن، فحتى الآن لا رواية رسميّة لما جرى في ملهى مارينا وتنظيم "داعش" أثبت قدرته على خرق العمق الاستراتيجي لأردوغان في اسطنبول. في حين بدا الرئيس التركي عاجزاً عن الرد على بشكل حاسم، نظراً إلى أن الخيارات العسكريّة قليلة والسياسية أقل.

في هذا السياق يبدو الرئيس التركي أمام إحتمالين: الانتحار السياسي أو ترك رئيس الوزراء ​بن علي يلدريم​ يفتح صفحة جديدة مع العراق، وقريباً مع سوريا، لمكافحة الإرهاب. وفي دمشق ينظر السوريون لما يجري في الداخل التركي على أنه من تداعيات الأزمة السورية والتدخل في الشأن السوري، لا شماتة في المصيبة وإن كانت دعواتهم أن يتجرع اردوغان ما أذاقه للسوريين. وتضيف مصادر لـ"النشرة" ان أبواب دمشق ما تزال موصدة بوجه "التركي العدو" والمحاولات الروسيّة لتقريب الطرفين باءت بالفشل حتى الآن، لكن يلدريم له حظوة في العاصمة السوريّة وهو لم يتعرض بأي مواقف مسيئة للرئيس السوري بشار الأسد، وما بينهما من علاقة قديمة قد تؤسس للمستقبل.