يومٌ تاريخيٌّ في لبنان كان يوم مرّرت الحكومة اللبنانية اثنين من المراسيم ذات الصلة بقطاع ​النفط​ والغاز بتاريخ الأربعاء 4 كانون الثاني 2017. وكان هذان الملفان يقبعان تحت الغبار في أدراج مجلس الوزراء لأكثر من ثلاث سنوات، بسبب خلافات سياسية من جهة، وعدم الاتفاق على ترجمة هذه المراسيم من جهة أخرى.

وبعيداً عن بنود هذه المراسيم وتقسيم البلوكات البحرية وكل تفاصيل هذا الملف، يشكّل توقيع هذه المراسيم أملاً عند طلّاب اختصاص هندسة النفط في لبنان الذي ولد حديثاً في بعض الجامعات، إذ أن ​جامعة بيروت العربية​ كانت أول من أطلق هذا الاختصاص في العام 2013 بعد أن بدأ الكلام عن النفط في لبنان في عام 2011، اضافة لجامعة الـLAU، وبالتالي فإن الدفعة الأولى من طلّاب هذا الاختصاص لم يتخرّجوا بعد. وتعتبر هندسة النفط من أندر الاختصاصات في لبنان إذ يقتصر تعليمه على جامعتين فقط، مع العلم أن جامعات أخرى بدأت تجهيز التراخيص لاطلاقه في السنوات المقبلة.

في هذا السياق، يعتبر رئيس فرع الجمعية العالمية لمهندسي البترول في جامعة بيروت العربية حسين مهنّا "اننا كطلاب دخلنا غمار هذا الاختصاص لأن لبنان دخل قطاع النفط وبدأنا نسمع بهذا الملف منذ عام 2011"، لافتاً إلى "أننا نعاني من مشكلة هي أن الكادر التعليمي غير كافٍ لكل الطلاب لذا يتم الاستعانة بأساتذة من خارج لبنان".

وإذ يرى أن "الدولة تعمل قدر المستطاع على مساعدتنا في هذا القطاع"، يلفت مهنّا إلى "غياب التنسيق المطلوب بين الجامعات والدولة الممثلة بهيئة قطاع النفط والبترول "، ويضيف "مشكلتنا أيضاً تكمن في مرحلة التدريب ومرحلة ما بعد التخرج، إذ ان سعر النفط حالياً في تراجع وبالتالي التدريب الذي يسعى له الطالب هو أمر صعب، لأن الشركات تتجه نحو تقليل عدد موظفيها وبالتالي هي غير مستعدة لاستقبال طلاب للتدريب، كما أن عدم وجود شركات في لبنان والمؤسسات الخارجية تفضل الطلاب الوطنيين (مثلا في الامارات يفضلون الاماراتيون)، إذاً يبقى مصيرنا مجهولاً في ظل عدم البت بملف النفط نهائياً في لبنان".

ويؤكد مهنّا "اننا كطلاب نعمل في ما بيننا لبناء شبكات علاقات مع الخارج لاكتساب الخبرة وبناء شبكة علاقات للوصول إلى نتيجة مهمة، كما أننا تمكنّا من استضافة الجمعية العالمية لمهندسي البترول وهي أكبر مؤسسة تهتم بهذا القطاع"، معتبراً أنه "على الطالب في لبنان السعي بنفسه للوصول إلى ما يطمح اليه".

أما الطالب في جامعة الـLAU عمران نوفل، فيؤكد أن "طلّاب هذا الاختصاص في لبنان يواجهون صعوبات كثيرة بسبب عدم خبرة الجامعات في التعامل معه لأنه جديد اضافة لقلة التجهيزات الموجودة على عكس الاختصاصات الأخرى، كما ان الأساتذة الذين تستقطبهم الجامعة جدد في هذه المهنة وليسوا بالافضل"، لافتاً إلى ان "الدفعة التي ستتخرج الآن هي الأولى في لبنان وتعاني حالياً من مشكلة الوصول إلى المعلومات في لبنان لاجراء الابحاث اللازمة بسبب التعتيم عليها من قبل الدولة، كما أن مشكلة التدريب في المؤسسات النفطية هي مشكلة كبيرة".

ويوضح نوفل أن "مشكلتنا مع التدريب هي عدم وجود شركات في لبنان، وعدم اعطائنا تأشيرات الدخول لبلدان خليجية أو اوروبية، كما أن الدول الأخرى لا توظف او تعطي فرصة التدريب الا لأبناء البلد"، مشيراً إلى أن "طالبين فقط حتى الآن تمكنا من تأمين فرص تدريب لأنهما يملكان جوازي سفر أجنبيين".

وعن اقرار مراسيم النفط، يشير نوفل إلى "اننا لم نتفاءل كثيراً باقرار هذه المراسيم بسبب الطريقة التي قُسّمت بها، كما اننا لم نشعر بأي ايجابية تجاهنا ولم يتواصل احد معنا كطلاب يمثلون مستقبل هذا القطاع في لبنان".

لذا فإن الهاجس المهني عند طالب هندسة النفط في لبنان يوازي الهاجس الأكاديمي بعد العديد من العوائق التي تقف أمام طلاب هذا الاختصاص.

بدوره، يؤكّد الاستاذ المساعد في جامعة بيروت العربية بقسم هندسة النفط الدكتور رامي حرقوص "صعوبة تأمين الكادر التعليمي المختص بهندسة النفط والغاز في لبنان، لذا نعمد في الجامعات على الاستعانة بالاختصاصات القريبة واقامة دورات تدريبية لهم بمواد الاختصاص، بانتظار الكادر التعليمي اللبناني المختص في هذا المجال لانهاء دراسات الدكتوراه في الخارج وعودتهم إلى لبنان"، موضحاً أن "جامعة بيروت العربية أبرمت اتفاقية تعاون مشتركة مع الاتحاد الاوروبي عبر 3 دول، وهي، فرنسا رومانيا والسويد، ونقوم بانشاء برنامج ماستر في هندسة النفط مع هذه الجامعات، اضافة لورش عمل في هذا المجال لتأهيل الكادر التعليمي الموجود حالياً".

ويميّز حرقوص بين "هندسة البتروكيماويات أي معالجة النفط بعد استخراجه واستخدامه في الصناعات الأخرى، وبين هندسة النفط والغاز أي اكتشاف النفط وعمليات الحفر والاستخراج وهو الاختصاص الذي نتكلّم عنه"، لافتاً إلى أن "الاختصاص الثاني هو الذي يندر في لبنان"، مضيفاً "لو كانت الحكومة قد أقرّت مراسيم النفط منذ وضعها في العام 2013 لكان عندنا اليوم منصات في البحر وكان الطالب، وجد مكاناً للتدريب في هذه الشركات والعمل أيضاً إذ أنه حسب الاتفاقيات والعقود فإن الشركة التي تبدأ العمل مجبرة على توظيف 60% إلى 70% من اللبنانيين".

وعن الحلول أمام الطلاب، يلفت حرقوص "اننا نحاول في الجامعة ابرام اتفاقيات تعاون مع شركات في الخليج بسبب غياب الشركات في لبنان من أجل تأمين فرص التدريب للطلاب"، مشيراً إلى وجود "شركتين في الخليج استقبلت عدداً من الطلاب الا انه لا يمكنها اخذ عدد كبير كما أنه لا يمكن للجامعة أن تلتزم بتأمين التدريب للطلاب في الخارج بسبب عدد الطلاب الكبير".

وإذ يعتبر أن "بعض الظروف العالمية تقف عائقاً أمامنا في بعض الأحيان"، يوضح "اننا تمكنا من ابرام اتفاقية مع شركة Total في فرنسا الا ان هجومات باريس ادى الى توقفها بسبب الظروف السياسية والأمنية في فرنسا في حينها".

خمس سنوات يقضيها الطالب اللبناني في اختصاص هندسة النفط، آملاً أن ينهي تعليمه وتكون الدولة قد انتهت من بناء هذا القطاع الحيوي. فهل تتحقق آمال الطلاب في الجامعات وتتمكن الدولة من انهاء هذا الملف العالق منذ سنوات؟