قد لا يستغرب البعض قرار الحكومة الفلسطينية إعلان يوم الأربعاء المقبل يوم عطلة رسمية لمناسبة ​يوم المرأة العالمي​، فالمناسبة مهمّة للغاية، ولن يُصدم أحد عند خروج "التظاهرات" الداعمة للمرأة في يومها في اكثر من دولة حول العالم، ولكن سيكون مفاجئا الاطلاع على واقع المرأة المزري في لبنان، البلد المساهم بوضع شرعة حقوق الانسان.

يعتبر لبنان نفسه من الدول الرائدة في الديمقراطية وحقوق الانسان، كيف لا، وشارل مالك هو اللبناني الوحيد بين العرب الذي شارك في صياغة واعداد الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، ولكن النصوص تبقى حبرا على ورق إن لم تُقرن بالتطبيق.

من ضمن حقوق الإنسان ترد حقوق المرأة، وفي لبنان استطاعت الحركات النسائية بتحقيق "انجاز مكتوب" عام 1953 قضى بإلغاء التمييز في القوانين اللبنانية، ونجحت بتعديل بعضها، ولكنها حتى اليوم تعاني من "ذكوريّة" الحكم، مما جعلها "ضعيفة" في الحياة السياسية، و"مكسورة الجناح" داخل منزلها ومجتمعها.

واقع سياسي اسود

4 مقاعد نيابية من أصل 128 مقعدا في لبنان تمثلها نساء، وهذا الرقم متدنٍّ يأتي في وقت ينادي به السياسيون بضرورة تمثيل المرأة، بالقول لا بالفعل، فالمرأة اللبنانية تُوظف في الأحزاب ولكن دون اعطائها الدور اللازم، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة ندى حمزة، مشيرة الى أن الانتخابات البلدية الاخيرة اظهرت تقدما نوعيا على هذا الصعيد، كاشفة أن الانتخابات النيابية المقبلة ستشهد دخول مجموعة لا بأس بها من النساء الى "المعركة الانتخابية" ومن خارج الاحزاب السياسية المعروفة.

وتضيف حمزة في حديث لـ"النشرة": "يؤسفنا أن نحضر مؤتمرات عالمية تضيء على تجارب رائدة لنساء لبنانيات في الوقت الذي تُغيب المرأة في لبنان"، لافتة النظر الى أن المشكلة الأساس تكمن بالنظرة الدونيّة الى المرأة ودورها. وكما في الحقوق السياسية كذلك في الحقوق المدنيّة، فالنساء تعاني من "ظلم" المحاكم الروحية، في الزواج والطلاق والارث والوصاية على اولادها القصّر.

احتكار المراكز الوظيفية

"لا تعاني المرأة من كمية الوظائف بل نوعيتها"، تقول موظفة أحد المصارف سمر (اسم مستعار)، مشيرة الى أن المراكز المهمة في الأعمال يسيطر عليها "الرجال"، بينما تحاول المرأة جاهدة وتتحدّى الجميع لإثبات نفسها في مركز وظيفي هام. وتضيف في حديث لـ"النشرة": "لدي صديقات محجّبات لا يستطعن التقدّم لوظائف معينة بسبب حجابهنّ، ولدي صديقات أخريات تعرضن لأبشع انواع التحرش اللفظي والبصري في مراكز عملهنّ، ما دفعهنّ لترك العمل بسبب غياب من يحميهن ويحافظ على حقوقهن، وهنا لا يكفي فقط إصدار القوانين التي تحمي المرأة بل يجب تغيير "الثقافة" التي تعتبر المرأة سلعة وجسدا فقط".

كثيرة هي الجمعيات التي تعمل في مجال حقوق المرأة، ولكنها لم تجد بعد البيئة الثقافية المناسبة لتحقيق النجاحات، وفي هذا الإطار تدعو حمزة في حديثها الى مؤازرة هذه الجمعيات، معتبرة ان من المعيب على لبنان الاستمرار في نفس النهج القائم على تهميش النساء، مشيرة الى اننا نقلّد الغرب بالامور السلبية وليس بالأمور الإيجابية. وتضيف: "نسعى لتحقيق التقدم ولو بشكل بطيء ونحاول الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي، لمساعدة المرأة على التعبير عن رأيها، ولكن تبقى الأمور بحاجة الى مساندة، وخصوصا بما يتعلق بالشق السياسي في لبنان.

يقول المثل الفرنسي "اذا اردت أن تعرف رقي أمة فانظر الى نسائها"، ونحن في لبنان "ندّعي" رقيّنا بين الدول العربية والاجنبية، ولكن هذا كله يبقى شعارات رنّانة إن لم تقترن بالأفعال. في العام 1847 حصلت لوسي ستون على شهادة جامعية من ماساتشوستس وهي اول امرأة تحصل على شهادة، وفي العام 2017 لا زالت بعض العقليّات المتحجرة في لبنان تحرم المرأة من العلم، وفي الوقت الذي تسجل فيه الخطوط الجوية الهندية أول رحلة طيران دولية بقيادة طاقم نسائي بالكامل، لا زلنا في لبنان نكتب المقالات عن حقوق المرأة وندعو في "يومها" للسماح لها بدخول عالم السياسة، ووضع القوانين التي تمنع "قتلها".