على هامش المؤتمرات الدولية، من جنيف إلى الآستانة، تستمر التحولات العسكرية على الأرض السورية التي ترسم معها معالم الحل المنتظر، وفق معادلات تتقلب يوماً بعد آخر تحت سقف مناطق النفوذ التي باتت واضحة المعالم، لكن ما هي معالم المشروع الفيدرالي الذي كان الإعلان الأول عن إنطلاقته منذ نحو عام تقريباً، أي في شهر آذار من العام 2016، وما هي رؤية ​الأكراد​ الذين باتوا يشكلون رقماً صعباً على هذه الساحة؟.

في شهر آذار من العام المنصرم، أقر المشاركون في الإجتماع الذي عقد في بلدة رميلان الحدودية في ريف الحسكة الشمالي الشرقي "وثيقة النظام الإتحادي الديمقراطي لإقليم شمال سوريا"، التي نقلت المناطق التي كانت تسطير عليها وحدات "حماية الشعب الكردي" من نظام الإدارة الذاتية إلى النظام الإتحادي أو الإقليم الفيدرالي، لكن اليوم باتت حدود هذا الإقليم أوسع مما كانت عليه في ذلك الوقت على نحو مضطرد، حيث دخلت ضمن دائرة الحسابات كل من الرقّة ودير الزور وادلب، بعد أن خرجت إلى النور "قوات سوريا الديمقراطية" التي تقول عن نفسها أنها تمثل نواة ​الجيش السوري​ الوطني في المستقبل.

على هذا الصعيد، في كل مرة تدخل هذه القوات في معركة لتحرير منطقة من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي تثار موجة واسعة من التساؤلات، لا تتوقف عند الأفرقاء السوريين فقط بل تشمل ​الولايات المتحدة​ التي تدعم هذه القوات، التي تضطر إلى التأكيد في كل مناسبة أنها لا تدعم الحكم الذاتي في أي منطقة وبأن مستقبل سوريا يقرره السوريون، إلا أن مصادر كردية مطلعة تؤكد، عبر "النشرة"، أن هذا الأمر يعود إلى الحساسية التي لدى البعض تجاه الأكراد منذ عشرات السنين، وتضيف: "ليس هناك من حزب كردي سوري يطرح الإنفصال أو الإستقلال وأقصى ما يطالبون به هو الفيدرالية".

من وجهة نظر هذه المصادر، هناك ضرورة للتمييز بين مشروعين: الأول هو فيدرالية الشمال السوري أو "روج آفا" الّذي لا يمكن التراجع عنها إلى ما قبل العام 2011، أما الثاني فهو المشروع الفيدرالي الذي تقدمه "سوريا الديمقراطية" لكل سوريا، وتوضح أن كل منطقة خارج "روج آفا"، سكانها من يقرر الإنضمام إلى الفيدرالية أو البقاء خارجها عند تحريرها من الجماعات الإرهابية، وتشير إلى أن هذا الأمر ينطبق على الرقة ودير الزور وادلب التي بدأ الحديث عنها مؤخراً، بعد كلام قائد وحدات "حماية الشعب" الكردية سبان حمو عن أنه لا يستبعد أن تشارك القوات الكردية ضمن تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" وعشائر وفصائل معتدلة في تحرير إدلب من جبهة "النصرة" بعد تحرير الرقة من "داعش" خلال أسابيع.

وتؤكد هذه المصادر أن كل الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية من الممكن أن تشارك "قوات سوريا الديمقراطية" في تحريرها في حال طلب منها ذلك، لكنها ترفض الحديث عن مشروع كردي إنفصالي على هذا الصعيد، وتضيف: "لو كان هذا هو المخطط لما كان الأكراد ذهبوا إلى تحرير الرقة أي إلى خارج المناطق الكردية"، وتشدد على أن "سوريا الديمقراطية" هي قوات كردية وعربية وتركمانية وأشورية وشيشانية وتضم مختلف المكوّنات، وتشير إلى أنها مشروع سوري ديمقراطي ضمن الحدود السورية المتعارف عليها.

في هذا السياق، يدرك الأكراد أن أي مشروع لمستقبل سوريا يجب أن يحظى بتوافق القوى الإقليمية والدولية، لكنهم في الوقت نفسه يؤكدون بأن أي حلّ سياسي يطرح دون أن يشملهم لن يكتب له النجاح، ويراهنون على الدعم الذي يحظون به من جانب الولايات المتحدة و​روسيا​ معاً، لا سيما بعد الإتفاق الأخير الذي حصل في عفرين.

ويقول مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل، في حديث لـ"النشرة"،ان "قوات سوريا الديمقراطية متحالفة مع واشنطن لكنها لا تعادي موسكو"، ويلفت إلى أن "البعض يعتبر أن هناك حساسية من الدولة الفيدرالية، لكن في المقابل هناك حساسية لدى فئات أخرى من الدولة المركزية"، ويشير إلى أن "الولايات المتحدة أدركت على ما يبدو، من خلال القراءة العامة لما حصل بعد الربيع العربي والتصريحات الأميركية، أن الدولة المركزية لا تحقق الأمن أو التنمية، وهي أيضاً لن تجني ثمار ما قدمته في حال لم تكن القوى التي دعمتها ممثلة في سوريا المستقبل"، ويعود إلى كلام لوزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر عن أن سوريا ستكون في البداية كانتونات ومن ثم فيدرالية (1).

بالنسبة إلى الموقف الروسي، يعتبر خليل أنه الأكثر وضوحاً على هذا الصعيد، لأنه يفهم الأتراك والحكومة السورية جيداً، ويضيف: "لدى موسكو مشروعا فيدراليّا وهي تطالب بأن يكون اسم الدولة "السورية" وليس "العربية السورية"، وهي أيضاً تصر على حضور الأكراد في أي مفاوضات تبحث الأزمة السورية".

(1) في حديث لمجلة أتلانتيك الأميركية، شهر تشرين الثاني من العام 2016، يقول وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر: "أفضل حلّ للجمع بين التطلعات الديمقراطية المشروعة هنا وحقيقة الوضع في سوريا، هو إنشاء دولة تقوم على الكانتونات، وتقسيم البلاد إلى مناطق بحسب الطائفة الموجودة فيها. بعد ذلك يمكن إنشاء انتخابات جزئية في كل واحد من هذه الكانتونات لاختيار من يعبر عن مشاغل وخيارات كل واحد من المجموعات الموجودة في سوريا في منطقته الخاصة، وانطلاقا من هذا العمل يمكن السير بعد ذلك في طريق دولة سورية بنظام فيدرالي منصوص عليه في الدستور، قادرة على إقامة انتخابات وطنيّة تضمن للأقليات حقوقها وتحقيق تطلعاتها مع مرور الوقت".