لفت رئيس الطائفة الكلدانية في لبنان المطران ​ميشال قصارجي​ خلال العظة التي ألقاها خلال ترؤسه قداس الشعانين في كنيسة الملاك روفائيل في الحازمية إلى أنه "هوشعنا مباركٌ الآتي باسم الربّ، هكذا هتفَ الشّعب يوم دخلَ الربّ يسوع إلى أورشليم، فاستقبلوه بالشعانين استقبال الملك الظافر والعائد إلى وطنه! بعد أيّام سيَصرخون لبيلاطس "اصلبه ! اصلبه !" لأنّ يسوع لم يجلب لرؤساء الكهنة والشعب "الغنائم" التي كانوا يَشتَهونها. لقد كان ثمن تصريح يسوع: "مملكتي ليست من هذا العالم "(يوحنا 01/63)، أن يرفعه اليهود على الصليب لأنّهم يريدون ملكاً مملكته في هذا العالم ".

وأشار إلى أنه "كان بيلاطس، الوالي الروماني المُستعمِر، متواجداً في أورشليم لحِفظ الأمن أيام العيد بسبب الجمهرة الكبيرة التي كانت تحصل في مثل هذه المواسم. وكان قد سَمِعَ كيف استقبل الشعب يسوع كملك. لذلك عندما صَلبَه وضع عِلته : " ملك اليهود"، لكن رؤساء الكهنة اعترضوا آنذاك على هذه الكلمات. بينما ألحّ بيلاطس هزءاً بهم وبيسوع أن يَكتب هذه العبارة ليقرأها الجميع . تحملُ هذه الكلمة معنى عميقاً جدّاً لا ينحصر في تصوير الأحداث التاريخية التي جرت تلك الأيام. لأنّه عند لحظة صَلب يسوع، وكتابة هذه "العِلة" انفتح تاريخ جديد بالكُليّة في زمن العبادة والأديان وهناك طريقتان في العبادة، تلك التي قبلَ "ملك اليهود" وهذه التي "لملك اليهود" ! تلك التي لمملكة هذا العالم وهذه للمملكة التي ليسَتْ مِن هذا العالم"، مضيفاً أن "تلك هي شريعة اليهود شريعة الحرف والناموس، دستور الخوف من الله ومن الانسان. شريعة يسوع هي محبة وتضحية وموت على الصليب، فيسوع كان ابناً لله وعابداً حقيقياً، أطاعَ حتى الموت موت الصّليب. وصرخَ على الجبل "إنْ أمكَن أبعِد عنّي هذه الكأس، ولكن لا تكُنْ مشيئتي لكن مشيئتك".

وقال : "يسوع افتتحَ الشّكل الجديد والثاني للعبادة والعلاقة بالله. لقد كان "البكر" في كُلّ شيء. العلاقة التي يؤسّسها يسوعُ اليوم وخلال الأسبوع العظيم على الصليب، لا تبتغي الحدّ الأدنى من التقدمات لله. فالدّين هنا ليس الواجبات التي نتفنن في تخفيفها بل هو الحُبّ الذي نتفنن في تَعظيمِه. كلمة يسوع "ليس حُبٌّ أعظم مِن أن يبذل الإنسان نفسه فِدية عن أحبّائه" تشرحُ سِرّ العلاقة والدين الجديدَين. في العِبادة المسيحانية التي أُبطلت الشريعة وأصبحت مع الإنسان ومن أجل الإنسان حكايةَ حبٍ وعشقٍ "، مؤكداً أن "هذا الحُبّ الأعظم يُبدّل المعايير، لذلك لا يتكلم الكتاب المقدّس عن القبَض على يسوع بمقدار ما يتكلم عن تسليم يسوع ذاته. فقساوة ووحشية القابضين على يسوع في الإنجيل لا تغطي وجه الحريّة المطلقة التي كانت ليسوع حين أَسلمَ ذاته إليهم. "لقد شَرِبَ الكأس التي كانت له" بحريّته ولم يدافِع عن نَفسِه ولم يَهرب ولم يَتردّد لأن الساعة كانت قد حضرت وكُلّ شيءٍ قد تمّ. لهذا، هذه الحريّة في تبنّي المسؤوليات، الصِّغار والعِظام، تحافِظ للإنسان وللعابد عموماً على كرامته ومجده أمامَ الله وان بدا يسوع في الأناجيل رجُل الآلآم، رجُلاً مشرّداً مَتروكاً، وضعيفاً، إلاّ أنّ الأناجيل تفوحُ في كُلّ عباراتها عن مَجدِه وعَظَمَته وسِيادَته وهذه العبارة "مَلك اليهود" وان استخدمت حيناً للهزء به إلاّ أنّها كانت في قلب بيلاطس الذي لم يتجرأ على الحُكم وانما اكتفى بتسليمه إلى أعدائه ومنذُ دخلَ يسوع أورشليم وعندما رُفِعَ على الصليب وسُمِّيَ "ملك اليهود" دشن مملكة جديدة، وافتتحَ علاقة جديدة مع الإنسان. مملكة يسوع شريعتها ليست من هذا العالم. مملكة يسوع هي انتم يا أبناء العهد الجديد ،هي أنتم يا أطفالنا الصغار". واردف : "هذه هي طبيعة حياتنا الكنسيّة عربون هذه المملكة ونحن لا نَحيا فيها مُجبَرين على تقديم الواجبات أو الممارسات أو الإحسان أو الخدمة. نحن نحيا فيها بمعنى أننا نحيا مِنها. نحيا فيها إذن بحريّة وكرامة. لا مكان للخائفين والذليلين في المسيحيّة. نحن لا نخاف الله لأننا نحبه (القديس أنطونيوس الكبير). "التقوى" لدينا لا تعني أبداً أن "نُعبِّس" ونَستغفِر ونَحيا في الخَوف. على العكس، تعني التقوى الفرح والخِدمة".