لا تختلف انتخابات نقابة المهندسين عن الانتخابات البلدية الأخيرة. في كلتا المرّتين اهتزّ “تفاهم معراب” ولم يقع. اهتزّ على أيدي مصطادين في مائه العكر ولم يقع. اهتزّ على وقع قهقهات الشمّاتين ولم يقع. مقدرٌ له ألا يقع...

مذ ولد تفاهم معراب الشهير، عقد بطلاه العزم على عدم التفريط فيه. لم يكن مساره ورديًا في كلّ الأحايين كما نشده طرفاه ولكنه لم يكن مأسويًا تمامًا. الاتفاق على عدم الاختلاف حال في محطاتٍ جمة دون رفع سقوف كلاميّة من شأنها أن تحيي مارد الحقد في النفوس المسيحية التي بالكاد وجدت ضالتها من السكينة والسلام.

رسب في الامتحان!

لم تحمل انتخابات نقابة المهندسين ذيولها معها أثناء رحيلها، بل ما انفكّت تجرجرها حتى كتابة هذه السطور. أخفق مرشّح التيار الوطني بتشطيبٍ من الحليف الوثيق والموثوق. لم يكن حزب الله ولا حتى حركة أمل، بل الحليف الطارئ وغير الطارئ على المعادلة اللبنانية عمومًا والمسيحية خصوصًا. رسب تفاهم معراب الذي بناه ابراهيم كنعان وملحم الرياشي حجرةً حجرة في امتحان الثقة مجددًا. لم يرتضِ العونيون مثل هذه الصفعة فغصّت نفوسهم بكثير من “القيل والقال” والوفير من العتب الذي إذا سمعه سيّدا الرابية ومعراب لظنّا أن نهاية تحالفهما طويل الأمد قد كتبها المؤيدون بأيديهم وفرضوها على قيادتيهم. بعض النفوس العونية حزينة حتى الموت، لا تفهم ماذا حصل أو بالأحرى لا تفهم لماذا حصل ما حصل. لم يكن الأمر منتظرًا من القواتيين بقدر ما خشي البرتقاليون من “خرقٍ” تذيّله حركة أمل باسمها. حصل غير المتوقع، انسحب المرشّح القواتي على مضض وما ارتضى القواتيون بما اعتبروه انسحابًا قسريًا خصوصًا أن بعض المعلومات المتداولة التي علمت بها “صدى البلد” تشير الى أن اتصالًا ورد الى معراب من القيادة البرتقالية تدعوها فيه الى سحب مرشّحها من المنافسة، وهكذا حصل ليفوز في المحصّلة مرشّح المجتمع المدني.

أقوى من الصفعات السابقة!

قد يكون وقع الخذلان القواتي على العونيين هذه المرة أقوى من الصفعات المتفرّقة الصغيرة التي وجهها كلا الفريقين لبعضهما في مناطق محددة في الانتخابات البلدية وأكثرها جلاءً وإيلامًا معركة جونيه التي فرّقت الحليفين وكذا الأمر في بعض القرى والبلدات. يومها وجد الحليفان مسوّغاتٍ شكلية لحركة الفراق تلك وحاولوا طمس وقع التشتّت باحتفالات الظفر في مناطق حساسة كدير القمر والحدت وجزين. هي حكاية يومين قبل أن يتجاوز العونيون والقواتيون الأمر ويعودوا الى اهتماماتهم المشتركة التي أفلحا معًا فيها في غير مناسبة لا سيّما في الشق التشريعي والحكومي، والسير معًا في اتجاه قانون انتخابي واحد متفقٍ عليه بين الطرفين أو في أحسن الأحوال يوافق عليه فريق استرضاءً للآخر.

هدنة طويلة الأمد؟

صحيحٌ أنها هدنةٌ طويلة الأمد رسمها الفريقان لنفسيهما، بيد أنها بدت أشبه بهدنة سورية الهشّة، ولكن غير الكفيلة في إعادة مشهدية النار والدمار والقتل بينهما. فخلافٌ بسيطٌ في كلية بين شباب “طائشين” لا يلغي أهمية الاتفاق الذي يجمعهم مرغمين لأن القيادتين أرادتا ذلك، ومعركة على خطّة كهربائية تكهرب الأجواء قليلًا بينهما لكنها لا تحرق عداداتهما المشتركة التي تعدّ الأيام الحلوة بينهما. بات واضحًا للجميع أن هناك اتفاقًا حازمًا بين الفريقين بألا يهزّهما نسيمٌ ولا عاصفة، بأن ينفذا ما تعهدا به أمام الله والرأي العام المسيحي بألا تؤمّ دياريهما الأيام السود الخوالي التي لوّنت النفوس المسيحية بلونها وما عاد الأسود يغادر منازلهما ومنزلتيهما.

ثلاثة اتجاهات...

اليوم ينقسم البرتقاليون في ردود أفعالهم الى ثلاثة: فريقٌ لم يبتلع ما حدث ويكتفي بتمتمة بعض الأقاويل والتكهّنات التي لا يجرؤ على البوح بها لأنها قد لا تكون في الواقع خيار القيادة ومفادُها أن ما حصل خيانة كبرى تستحق فضّ عقد الزواج الماروني أو ما ظنّه كثيرون زواجًا مارونيًا وما هو سوى اتفاق تراضٍ هشّ تتقاذفه المصالح ويجهضه شيطان التفاصيل. وفريقٌ آخر يجد لما حصل مسوّغًا تكتيكيًا عنوانه العريض “سوء القيادة” واضعًا ما حصل في خانة سوء التنسيق بين الطرفين على الأرض وهي ذريعة كفيلة بإبقاء تفاهم معراب حيًا الى حين اتضاح حقيقة ما حدث في ذاك السبت المشؤوم لكليهما. وفريقٌ يعتبر أن القواتيين أخطؤوا ولكن ما حدث ليس كارثيًا ولا مستحقًا بأن تنتهي علاقة الود بينهما، وبالتالي لا بدّ من تصحيح الأمور وهو ما ستعمل عليه معراب من أجل ضمان الفوز معًا في استحقاقاتٍ مقبلة، ولعلّ أكبرها وأهمها الانتخابات النيابية وهنا بيت القصيد.

أيام حلوة مقبلة

يكمن التحدي المقبل بالنسبة الى الشراكة المسيحية اليوم في استخلاص قانون انتخابي واحدٍ متفقٍ عليه بينهما وإن لم يكن صنيعتهما فلا بدّ من إرضاء طموحات كلّ منهما الفردية قبل الثنائية، أما بعده فيأتي التحدي الثاني المبني على الأول من خلال الاتفاق على عدم شقّ الصفوف وعلى تمتين التحالف في مختلف الدوائر بما يحقق هدفًا أول من التفاهم قوامُه انتخاب نوابٍ مسيحيين من الشارع المسيحي. الى حينها، يتجاوز الفريقان مكرَهين حكاية المهندسين التي ما أجادا هندستها، ويتطلّعان الى أيام حلوة مقبلة فيها قليلٌ من الإخفاقات الثنائية وكثيرٌ من النجاحات الثنائية.