هل يدرك اللبنانيون أي قطار يفوتهم؟ هل يدركون للوقت قيمة؟ ألم يكتفوا بهذا الأمد الطويل الذي يعيشونه منذ حرب السنتين وحتى الآن، وهم باتوا في ذيل اللائحة من حيث التردي، والتردد، والتراجع، والتخلّف عن ركب البشرية الذي يمضي في طريقه من دون أن يلتفت وراءه ولو من باب الشفقة على المتخلفين؟!

فأية لعنة حلت بهذا الوطن وبهذا الشعب؟

أين كنّا، وأين أصبحنا؟

كيف سمحنا لأنفسنا بعدما كنّا أسيادها أن نطبل في عرسها؟

كيف تحوّلنا من رواد (في كل شيء) الى القاصرين عن أي إنجاز لهذا الوطن؟!.

أي إنجاز، نقول؟!.

بل لنقل: أي أمر مهما كان مبدئياً، وبسيطاً، وتلقائياً، وضرورياً، وواجباً وطنياً؟!.

نحن الذين منحنا المرأة حق التصويت قبل بلدان أوروبية (ناهيك ببلدان المنطقة) لا نزال عاجزين عن بت موضوع «الكوتا» النسائية، وإن كنّا شخصياً ضدّ «الكوتا» لأننا نريد للمرأة اللبنانية أن تصل بذاتها وليس بقوّة الرجل، أو بمنّة منه.

نحن الذين كانت منتدياتنا الأدبية منارات تشع ثقافة ومعرفة على الشرق والغرب، صرنا نتلقى الشعر والنثر من دول المنطقة!

نحن الذين كنّا جريدة المنطقة، وجامعة المنطقة، ومكتبة المنطقة، ومطعم المنطقة، ومدرسة المنطقة، ومنتجع المنطقة السياحي، ومطبعة المنطقة، وفندق المنطقة، وتلفزيون المنطقة، وإذاعة المنطقة (...) أصبحت جرائدنا مقفلة أو قيد الإقفال! وجامعاتنا تنمو كالفطر ليتراجع المستوى باستثناء ثلاث أو أربع منها! ومكتباتنا ضمرت جوعاً الى الكتاب ما عدا قلة! ومدارسنا في تراجع المستوى! ومطابعنا تشتاق الى ذلك السيل من المجلات والكتب والنشرات والدوريات التي كانت تنهال علينا من البلدان المجاورة والبعيدة أيضاً! وأما عن مطاعمنا وفنادقنا ومنتجعاتنا السياحية فقد باتت «تصوفر».

ولكن قبل هذا وذاك، فلنقل: نحن الذين كنّا رواد الديموقراطية وأساتذتها ومنظريها، بتنا عاجزين عن إجراء إنتخابات نيابية أو رئاسية واحدة إلاّ بشق النفس. وصرنا نعاني حتى الوجع و... الفراغ قبل أن نتكرم على أنفسنا بإجراء إنتخاب رئيس للجمهورية، أو بتشكيل حكومة، أو بإجراء إنتخابات نيابية.

فعلاً، ماذا فعلنا بأنفسنا؟

كيف وصلنا الى هنا، ولماذا؟

وكيف تتحول أي مسألة عندنا الى مشكلة، والمشكلة الى أزمة، والأزمة الى قضية، والقضية الى مأزق، والمأزق الى نذير بكل سوء!

وأستميح القارىء عذراً لأصحح السؤال «ماذا فعلنا بأنفسنا» ليصبح (كما يجب أن يكون) «ماذا فعلوا بنا»؟ وضمير الجمع، الواو، يعني السادة النجباء الذين تناوبوا علينا (ولا أقول تولوا شؤوننا، لأنهم لم يتولوا سوى شؤونهم وأنانيتهم ومصالحهم الضيقة) طوال عقود، فأوصلونا الى حيث نحن...

وفي الأساس، نحن «بنستاهل»، لأننا أسلسنا لهم القيادة، وسمحنا لهم أن يوصلونا الى حيث نحن.