لم يتردد الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان هذه المرة باعلان تدخل رئيس مخابراته لثني فصائل المعارضة السورية عن قرارها تعليق مشاركتها في محادثات آستانة. قالها بوضوح: "تدخل هاكان (رئيس المخابرات التركية النافذ هاكان فيدان) فورا وناقش فصائل المعارضة التي وافقت مجددا على المشاركة في المحادثات... ولذا، ستستمر مفاوضات آستانة". لم تقتصر الأوامر التركية على العودة الى طاولة المباحثات بل لحظت وبشكل رئيسي فرض "مناطق تخفيف الصراع" على الفصائل التي لم تتردد بالخروج بعيد انتهاء الجولة الرابعة من "آستانة" لتعلن تحفظات بالجملة على الاتفاق الذي وقعه الروس والاتراك وال​ايران​يون من دون أن يلحظ رأي طرفي الصراع السوري به. وهذه ليست المرة الأولى التي يُفرض على السوريين اتفاقا دوليا، اذ سبق هذه الوثيقة خطّة تم التوصل اليها في كازاخستان أيضا تضمنت وقفا لاطلاق النار، لم يصمد حتى لأيام.

وان كان النظام السوري سارع للاعلان عن ترحيبه بالاتفاق الجديد، الا ان معنيين بالملف نقلوا "تعاطي طرفي الصراع السوري بريبة مع ما يُحضر دوليا، خصوصًا وان الخطة الأخيرة ترسخ الى حد بعيد مبدأ مناطق النفوذ ومشروع تقسيم سوريا الى كانتونات طائفية".

وتوالت في الساعات الماضية المواقف الرافضة للاتفاق الروسي-الايراني-التركي. ففيما وصفت الهيئة العليا للمفاوضات الخطة بـ"الغامضة وغير المشروعة"، وخاصة اعتبار ايران طرف ضامن لأي اتفاق، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المقترح الروسي وقال إنه يراه "تقسيما طائفيا" للبلاد.

وتعوّل المعارضة السورية حاليا وبشكل أساسي على الموقف الأميركي من المقترح، باعتبار ان واشنطن أعلنت موافقتها عليه لكن بتحفظ، وهو ما أشارت اليه مصادر قيادية في المعارضة لافتة الى ان موقف الولايات المتحدة الاميركية النهائي سيتضح تماما بعيد الزيارة المرتقبة للرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الى المملكة العربية السعودية و​اسرائيل​.

وتعتبر المصادر ان الاتفاق الجديد "يخدم النظام بشكل رئيسي، لا سيّما وان طرفين ضامنين هما حليفاه الرئيسيان اللذان يقاتلان الى جانبه"، لافتة الى أنّ "الخطة الروسية تقضي بتفريغ قوات النظام، من خلال تهدئة الجبهات مع فصائل المعارضة، للسماح له ودائما بدعم روسي–ايراني بالتوسع في مناطق سيطرة "داعش" والوصول الى دير الزور وطرد عناصر التنظيم منها، فيعودوا بعدها للانقلاب على الاتفاق الذي حدّد أصلا مهلة 6 أشهر قابلة للتجديد".

ولا شك أن "داعش" يبقى الخاسر الأكبر من مشروع "مناطق تخفيف التصعيد" باعتبار انّه المستثنى الوحيد من الخطة، ما سيعني انصراف كل الاطراف الدولية كما فرقاء الصراع السوري وبالتحديد النظام والأكراد لقتاله. وقد بدأ فعليا العد العكسي لمعركة الرقّة، بعد سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" على الطبقة، ويُتوقع أن تُطلق واشنطن صفارة انطلاق المعركة للسيطرة على معقل التنظيم المتطرف في الشمال السوري، مباشرة بعد أول لقاء يجمع الرئيسين الأميركي والتركي منتصف الشهر الجاري.

بالمحصلة، قد يكون المشهد السوري الحالي أكثر تعبيرا من أي وقت مضى عن حجم التدخلات الدولية بالملف، باعتبار ان الدول التي تتقاسم مناطق النفوذ لم تعد تلحظ حتى رأي الفرقاء السوريين بمقرراتها، وتفرض أجنداتها بغياب اي دور للأمم المتحدة وان كانت تمثيلية جنيف مستمرة بحلقات متتابعة!.