أليست النقاشات المحتدمة ليل نهار حول حصة المسيحيين التي من المفترض ان يؤمنها لهم القانون الانتخابي الجديد والتداول الصريح بمشروع مجلس الشيوخ وصلاحياته والصراع حول رئاسته، كما احتدام الخلاف المسيحي–الشيعي والذي قد يمهد في وقت لاحق الى طرح المثالثة، كلها بنود كان من المفترض أن تشكل جدول أعمال المؤتمر التأسيسي الذي تم التحذير منه مرارا وتكرارا على مر أشهر الفراغ الطويلة التي شهدتها سدة الرئاسة، وظن البعض أننا تجاوزناه بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد؟ بلى. ما نشهده حاليا مؤتمر تأسيسي غير معلن، أكان رغبة من القوى السياسيّة بعدم تخويف اللبنانيين، أو رفضا منها بالاقرار بالموضوع وبالتحديد من قبل أؤلئك الذين سيخرجون خاسرين منه بعدما فتحوا بأنفسهم بواباته، ظنا منهم بأنّها قد تعيد حقوق فقدوها على مر السنوات فاذا بها تهدد ما تبقى من هذه الحقوق!
ولعل كون جلسات هذا المؤتمر حتى الساعة غير محدّدة باطار معين، لجهة الزمان والمكان، وتتم بمعظمها على المنابر الاعلاميّة، يبقيها باطار "بروفا" لمؤتمر تأسيسي مقبل لا محال، بعدما تبين أن هذا النظام غير قادر على احياء نفسه من جديد من خلال تسوية يُنتجها ويقودها زعماء قاموا بأنفسهم بزعزعة أسس هذه الدولة ودفعوا باتجاه انهيار نظامها.
وتعتبر مصادر في قوى 8 آذار مطلعة على فحوى المفاوضات والنقاشات الحاصلة ان "المداولات تخطّت البحث عن قانون انتخابي جديد لتطال اسس النظام اللبناني الجديد، وخصوصًا بعدما بدأ التداول الجدّي بمجلس الشيوخ الذي ينقلنا الى الدولة الحديثة التي نطمح اليها في حال تم عمليا الغاء الطائفية السياسية وانتخاب النواب على اساس النسبية الكاملة"، لافتة الى ان "الخوض بهذا الملف بسلاسة وبعيدا عن التشنّج وحده كفيل بايصالنا الى خواتيم سعيدة". واضافت: "الا ان الخوف كل الخوف من ان يتفاقم التشنّج الحاصل وبالتحديد الذي يطبع مواقف وتصرفات الثنائي المسيحي وبخاصة التيار الوطني الحر ما يمهد لانفجار الخلاف الشيعي–المسيحي والذي قد يتحوّل في أي لحظة لخلاف مسيحي–مسلم لن نكون قادرين على ضبطه، فنتجاوز بذلك الصراع المذهبي العاصف في المنطقة الى صراع أخطر يهدد الكيان اللبناني ككل، ويمهد لتحولنا لكانتونات مذهبيّة بدأ فعليا ترسيم حدودها في سوريا".
بالمقابل، ترى مصادر الثنائي المسيحي ان "الخوف من أن يكون الثنائي الشيعي هو الذي يدفع الى المؤتمر التأسيسي رغم الايحاء انّه ضدّ الوصول الى الفراغ"، متسائلة: "كيف نفسّر تمسكه بالنسبية الكاملة ووضعها خيار وحيد على الطاولة؟ أليس مسعى من قبله للوصول الى 20 حزيران من دون الاتفاق على قانون"؟. واضافت المصادر: "اصلا وكما الكل يعلم، فالمؤتمر التأسيسي مطلب حزب الله بشكل خاص ومصلحة للثنائي الشيعي الذي لن يتردد بطرح المثالثة... أولم يتم تعييرنا مؤخرا كمسيحيين بعددنا والقول بأنّه علينا ان نكون ممنونين بمواقعنا في النظام اللبناني الحالي"؟.
بالمحصّلة، سواء انتشلت هذه الطبقة السياسية نفسها مرة جديدة من الغرق من خلال التفاهم على قانون انتخابي في اللحظة الأخيرة، أو دخلت في المحظور الذي تجنبته طوال أشهر الفراغ الرئاسي، فان النقاشات الحالية تمهد لا مجال لخلاف طائفي كبير في البلد، في حال لم يُسارع العقلاء لاعادة تثبيت المعادلات التي يقوم عليها لبنان والتي يُهدد العبث فيها بذوباننا في مشاريع التقسيم الناشطة في المنطقة والتي انطلقت الى مرحلة تطبيقية من خلال ما عُرف اخيرا باتفاق "مناطق تخفيف التوتر".