لم أفاجأ بمئات التعليقات التي إنهالت عليّ حول مقال يوم أمس في هذه الزاوية بعنوان «من بيّ الفقير الى بيّ الكل... لبنان إلى أين؟».

وأود أن أعرب عن الشكر والتقدير لمن غمرني بما يخجل تواضعي، وأقدر كذلك الذين وجدوا أن المقال أضاء على شخصية وطنية كبيرة مرّت في تاريخ لبنان الحديث... وأخص بالذكر الزميل الكبير الاستاذ حنا عنبر الذي لا يزال يحمل معنا نوستالجيا ذلك الزمن الجميل، وأولئك الرجال الرجال، علماً أن الغاية من المقال كانت للتحذير من أننا نراوح مكاننا، في هذا الوطن الصغير المعذّب، منذ زمن طويل، مع الخشية من أن نبقى في هذه المراوحة الى زمن مقبل هو أيضاً طويل.

ولقد لفتني أنّ القراء من الجيل الجديد بدوا معجبين بالرئيس ​سامي الصلح​، رحمه اللّه، وبشخصيته العاقلة، المتزنة، المثقفة، كما بدت من الإقتباسين اللذين استندت اليهما في إستعادتي من كتابه القيّم جداً «أحتكم الى التاريخ».

وعساي في ما أرويه، ها هنا، عن سامي بك، أن أرسخ إعجاب المعجبين بشخصيته. وسأكتفي بثلاثة أمثلة من سيرته معروفة لدى البعض من جيلنا، ومجهولة من الكثيرين، خصوصاً من الأبناء والأحفاد.

دارة سامي بك كانت في منطقة زقاق البلاط... وهي الدارة التي دمرها ديناميت الحقد الأعمى والغباء والتعصب البغيض في أحداث 1958 لأن سامي بك (رئيس الحكومة) رفض أن يستقيل ويعرّض الوطن للإنهيار. من تلك الدارة غالباً ما كان سامي الصلح، رئيس الوزراء، يتجه سيراً على الأقدام الى السراي الحكومي... لا مرافقون، ولا درّاجات نارية، ولا أي مظهر من مظاهر المواكب التي تقزّز النفس، وتتسبب بالإزعاج في هذه الأيام (مع تقديرنا للناحية الأمنية وأخذها في عين الإعتبار).

المثال الثاني أنّ الرئيس سامي الصلح كان مفرطاً في أناقته، ولا أذكر أنني رأيته في غير الأزرق السماوي أو الكحلي الفاتح. وهو عندما يكون في طريقه سيراً على الأقدام الى السراي، كثيراً ما يُصادف حمّالين (وكانوا يتواجدون بكثرة في العاصمة) وأحيانا يكون بعضهم ينقل على ظهره أو على كتفه كيس الطحين... ومع ذلك كان سامي بك يتقدم من الحمّال ويضع كتفه الى جانبه غير مبال بما قد يعلق ببزته الأنيقة من ذرات الدقيق. ولم يكن في هذا التصرف أي مكسب لأنه لم يكن من صحافيين وأقنية تلفزيونية وإذاعية لتصوّر و»تطحل» الناس بأخبار المسؤول!

المثال الثالث عندما كان رئيساً للوزراء ورأى المهندسون تعذر فتح طريق في إحدى الطلعات الحادة داخل العاصمة. فلم يقتنع. وأمر بتحضير «الورشة»، ثم بإحضار كرسي خيزران، ومن ثم بالأركيلة... فجلس على كرسيه يسحب نَفَساً من أركيلته وقال للمسؤول عن الورشة: هاتوا معاولكم والرفوش وأبدأوا في شق الطريق.

وشُق الطريق بالرغم من تحفظات المهندسين ونظرياتهم وآرائهم العلمية.

تلك أمثلة بسيطة تبيّن الآتي: كان الزمن، جميلاً فعلاً... وكانت البساطة سمة الحياة السياسية والوطنية... لم تنفخهم الكراسي بل هم من أعطاها حجماً وقيمة.

سقى اللّه أيامهم بغيث رحمته ورضوانه.