خطر لي بالأمس أن أشاهد نشرة الأخبار المسائية بعد فترة طويلة من امتناعي عن ذلك... وذلك رغبة مني بالمشاركة بأجواء عيد التحرير، وإستذكار هذا اليوم المجيد في تاريخ وطني... إلاّ أن ما رأيته وسمعته أشعرني بطعمٍ مُرّ لم أفهم سببه إلاّ بعد احتسائي فنجان القهوة صباح اليوم.

فالنشرة التي شاهدتها، وبعد نقلها لبعض المشاهد التاريخية التي تنقل فرح أهالي الجنوب –أحبّائي وأصدقائي... بل أهلي!-، انتقلت إلى إحدى المناطق ال​كسروان​يّة سائلةً الأطفال وكبار السنّ عن العيد الذي نحتفل به كوطنٍ اليوم... فكانت الأجوبة مُختلفة، وعدد قليل منها "أصاب" السبب الحقيقي: عيد تحرير الجنوب. وبعد إظهارها هذا الجهل (الذي أستنكره... ولكنّي لا ألوم هنا فقط أبناء هذه المنطقة، بل عدم قيام أيّ جهة رسميّة بتعميم الإحتفال على كلّ لبنان وعدم قيام الإعلام بإظهاره كعيدٍ وطنيّ حقًا، وقيام الجهات المعنيّة بحصر الإحتفال بأهالي بعض المناطق فقط لا غير)، قامت بتذكير الناس على لسان أحد الأشخاص الذين قابلتهم بأن هذه المنطقة كانت لسنوات عدّة تحت سيطرة جهات عُرِفت بالعمالة.

أولاً، لماذا إلقاء الضوء على الشرذمة وعلى ما يُبعد اللبنانيين بعضهم عن بعض؟! فليس صحيحًا أن سائر اللبنانيين لا يشعرون بأي شيء في مثل هذا النهار. فنحن، أبناء بيروت، قد عشنا ونعيش جنبًا إلى جنب مع أبناء الجنوب الذين نزحوا خلال فترة الإحتلال إلى المدن الساحليّة، وقد هلّلنا وفرحنا معهم... وقد فتحنا منازلنا لهم (وهذا من أقلّ واجباتنا!...) لمّا سقطت قنابل العدوّ على الضاحية الجنوبيّة في الـ2006، وإسرائيل عدوّ لكلّ الوطن وليس فقط لجزءٍ منه.

ثانيًا، لماذا إعادة فتح جروح الماضي التي لم تُضمّد أبدًا... للأسف!.. لماذا نغذّي الشرذمة؟ أليست كل الأجواء المُشرذمة الآتية من الخارج كافية؟! أليس هذا ما يريده تحديدًا الإرهاب للدخول إلى وطننا؟! أليس هذا ما يريده العدوّ الإسرائيلي؟! بالطبع، إن نشرة الأخبار هذه لم ترد سوى نقل الواقع والإشارة إلى الشواذ الموجود في البلد: شواذ عدم الشعور بما يوحّدنا، وهي بالتالي ليست من يصنع الشرذمة، إلا أنّ هذا النوع من التقارير لا يقوم إلا بتغذيتها حتّى ولو لم تكن هناك نيّة لذلك.

ومن بعد الإستراحة الإعلانيّة (الأساسيّة والتي لا بد منها لدى مشاهدة نشرات الأخبار اللبنانيّة، والحمد لله على وجودها!)، رأيتُ خبرًا ذكّرني بأن بلدي لم يتقدّم ولا خطوةً واحدة خلال السنوات الثلاث التي عشتها في الغربة... شعبٌ مجتمع حول زعيمٍ... ينده بإسمه عاليًا...

فيا ليت الإقطاع ينتهي يومًا!