قرر رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم أن يعلن شخصيا انطلاق معركة الرقة التي لا ناقة لأنقرة فيها ولا جمل. قال ان واشنطن زودتهم بـ"المعلومات الضرورية المتعلقة بهذه المسألة"، وذلك بعد 24 ساعة على اعلان مسؤولين أكراد ان اقتحام المدينة سيبدأ خلال أيام. اقحام أنقرة نفسها باطلاق صفارة بداية المعركة، قد يبدو للكثيرين مبررا ومفهوما، باعتبارها لم تتمكن حتى الساعة من استيعاب القرار الأميركي بتحييدها عنها، وهي التي لطالما جزم مسؤولوها بأنّهم لن يسمحوا لـ"​قوات سوريا الديمقراطية​" التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري بالدخول الى الرقة وأكدوا ان دحر "داعش" من المدينة ستكون مهمتهم بالتعاون مع الفصائل السورية التي يدعمونها.

الموقف الأميركي باستبعاد أنقرة كان حازما أكثر من اي وقت مضى، ولم تنفع كل الحجج التي حملها الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان الى البيت الأبيض حتى بمجرد تليين موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فكان القرار باطلاق معركة تحرير المدينة مطلع الصيف بقيادة قوات حملة "غضب الفرات" بعد تطعيمها بأعداد لا تُذكر من "قوات النخبة" التابعة للمعارض السوري أحمد الجربا، ومعظمها من أبناء العشائر، لاعطاء الطابع العربي على القوة المهاجمة والتي بمجملها من الأكراد.

لم تشأ أنقرة الاقرار بالخسارة بل قررت تغيير قواعد واسس المواجهة مع أكراد سوريا. فانتقلت الى الحرب الاعلامية الشرسة لتحجيم الانتصارات الكردية من خلال بث معلومات عن انسحاب "داعش" من عدد كبير من قرى ريف الرقة من دون مقاومة، كما من خلال الحديث عن مفاوضات بين "قوات سوريا الديمقراطية" وقيادة التنظيم المتطرف لتسليم المدينة من دون مواجهات. كلها معلومات تنفيها مصادر كردية رفيعة نفيا قاطعا لافتة الى ان "قسد" خاضت مؤخرا أعنف المعارك في الريف الشرقي في مواجهة عناصر "داعش" الذين لجأوا الى الانتحاريين لوقف تقدم وحدات الحماية باتجاه مداخل المدينة. واضافت المصادر: "صحيح ان العشرات من عناصر التنظيم أقدموا في الاسابيع الماضية على تسليم أنفسهم كما ان معظم القيادات تركت الرقة واتجهت الى دير الزور التي تحولت عاصمة بديلة لداعش، الا ان كل ما يُحكى عن تسليم قرى في الريف ومفاوضات لانسحاب التنظيم من المدينة لا تمتّ للحقيقة بصلة. نحن عرضنا وفي بيانات رسمية على داعش أكثر من مرة الانسحاب الا اننا لم نلق آذانا صاغية".

وتستعد القوات الكردية للمواجهة الكبرى في الرقة وعينها على الحشد الشعبي من جهة وعلى دير الزور من جهة أخرى. اذ تؤكد المصادر ان الحشد الذي وصل الى الحدود العراقية–السورية يحاول الدخول الى بعض القرى الحدودية في سوريا رغم نفيه ذلك بشكل علني، ولذلك نحن على اهبة الاستعداد لصدّ أيّ محاولة من قبله للتقدم باتجاه مناطق سيطرتنا. وتضيف المصادر: "كذلك نتابع عن كثب التطورات في دير الزور التي تتسابق اليها واشنطن وموسكو، ونعتقد انّها في النهاية ستكون معركتنا أيضا لأننا أثبتنا اننا الطرف الأكثر كفاءة وقدرة على مواجهة التنظيم المتطرف".

بالمحصلة، لا يبدو ان الصراع الكردي–التركي سينحسر قريبا، لا بل هو مرشح للانفجار في اي لحظة خاصة في ظل معلومات عن قرار أنقرة الدخول الى ادلب للرد على قرار واشنطن تحييدها عن معركة الرقة، وبالتالي قد يكون واضحا اكثر من اي وقت مضى ان المخطط الدولي الحالي للتعامل مع الازمة السورية يهدف الى نقل وجهة المعركة من خلال خلق مناطق صراع على الحدود تمهد لنزاعات لا تنتهي بعشرات السنوات!.