ظاهرة اقتناء السلاح عادة لبنانية وعربية موروثة من جيل الى جيل وليست متعلقة بالوظيفة او المكانة الاجتماعية او السن او العمر او الجنس او الدين او الطائفة او المذهب. إنما هي اصبحت عرفاً "مقدساً" لدى كل لبناني او عربي ولا يقبل المساس بها مهما كان نوع الدولة التي تحكم او كيف تحكم.

للمفارقة ان في الدول العربية والاجنبية وحتى في اميركا "العظمى" ينتشر السلاح واميركا كدولة تصنع السلاح وتصدر معه الموت والدمار والدماء الى بلادنا وتجرب سلاحها بنا بعد ان تقبض ثمنه من حكامنا ومن "اشقائنا" العرب.

في اميركا او اي دولة عربية يتم الترخيص للسلاح المقتنى ويوضع رقمه على الترخيص ويخضع لشروط قاسية من يريد اقتناء السلاح لجهة السوابق او السلوك الاجرامي والجنائي. وصحيح ان في اميركا تقع جريمة كل دقيقتين وما نراه في افلام الاكشن التي تنتجها "هوليود" حقيقي وواقعي لكن لم نسمع في اميركا ان هناك من اطلق النار ابتهاجاً في الهواء من سلاحه المرخص او غير المرخص ولم نسمع ان فلاناً قتل فلانا لمجرد ان "عصّب" منه ما نسمعه ونراه ونشاهده في فظائع القتل الاميركية انه قتل من اجل السرقة او حرب شوارع بين العصابات البيضاء والسوداء وفي المرحلة الاخيرة بتنا نسمع عن جرائم "اختلال" عقلي او تدبير اجرامي داعشي لكن في غالب الاحيان ما تكون حالات القتل للسرقة او حرب عصابات وحرب نفوذ بينها.

في الدول العربية ايضاً وخصوصاً في مصر تقع حوادث جنائية وقتل واغتصاب وسرقات الخ... لكن لم نسمع ان اهالي القاهرة او الاسكندرية مثلاً اطلقوا الرصاص في وسط العاصمة او في اطرافها في عرس او احتفالا بأي مناسبة.

في لبنان وعلى سبيل المثال، يطلقون الرصاص اذا اطل زعيم عبر التلفاز او ليخطب خطاباً في جماهيره الغفيرة والغفورة لكل زلاته واخطائه.

وفي لبنان يطلق الرصاص العشوائي والقذائف والقنابل اذا استشهد احدهم او فقد في حادث سير او عمل ويطلق الرصاص بكل انواعه خلال التشييع وكأن اهل الميت ينقصهم المزيد من الدماء والقتل فماذا لو "روكب" السلاح الذي يطلق منه الرصاص خلال التشييع وبدل الضحية ندفن عشرًا؟

في الافراح ايضاً نطلق الرصاص يميناً وشمالاً، ولا يهم اللبناني "القوي" برصاصاته وامشاط مسدسه وكَلَشه نسبة الى "الكلاشينكوف" اين تقع وعلى رأس من؟

في الافراح فرح الشهادات الرسمية طقوس واحتفالات من اطلاق الرصاص العشوائي والكثيف في كل الاتجاهات وفي كل الاحياء و"مطرح" ما "تجي" تجي.

ومرة جديدة لا طائل من التشدق والقول ان رخص السلاح وكثرتها هي السبب. او ان الضائقة الاجتماعية والاقتصادية هي السبب او ان الحالة النفسية لمطلق النار هي السبب او هذا السبب او ذاك.

فمن يقتني السلاح في غالب الاحيان لغاية موروثة لن يسعى الى ترخيصه ولن يسعى الى تحديد كمية السلاح التي يمتلكها، فلا يكاد بيت لبناني يخلو من مسدس على انواعه كافة او بندقية صيد من الخردق الى البومب اكشن وبالاضافة الى كل انواع الرشاشات الخفيفة من الاميركي الى الروسي والصيني وما يقارب الـ70 في المئة من اسلحة اللبنانيين غير مرخصة وغير شرعية انما هي عبارة عن مقتنيات خاصة في البيوت اللبنانية. فالقصد من وراء هذا الكلام ان هناك كثيرًا من اللبنانيين يمتلكون السلاح ولم يجربوه يوما لا في اولادهم ولا في نسائهم ولا في جيرانهم ولا في الكلاب والقطط الشاردة ولم يذهبوا يوماً في رحلة صيد ولم يستعملوا هذا السلاح مطلقاً فهم يقتنونه لانهم يحسون بالامان وان هذا السلاح يحميهم من "الصيف والضيف وغدرات الزمن". فهذا السلاح الذي لم يخرج يوماً الى العلن هو سلاح موزون ولا نرجو استعماله او وجود الحاجة اليه.

اما عن السلاح الآخر اكان مرخصاً او غير مرخص واستعمل في هذه المناسبات الآنفة الذكر، هو متعلق بسلوك الشخص وليس بالسلاح فمن يحرك السلاح ليس الترخيص انما سلوك الفرد الذي يمتلك السلاح والترخيص لذلك يجب الذهاب مباشرة الى العقوبات الرادعة كما يحصل للمرة الاولى في لبنان اذ سمي من اطلق النار عبثاً واحتفالاً بنجاح قريب له او ابنة او اخت او اخ وروع الناس وجرح العشرات وقتل شخصا او اثنين وتضررت المنازل والسيارات ومن ثم تعمد القوى الامنية الى توقيف مطلقي النار.

فالمطلوب اخيراً ليس توقيف هؤلاء فحسب او تسميتهم علناً انما سحب السلاح الموجود لديهم ومحاكمتهم محاكمة عادلة وشفافة وسريعة امام القضاء ولينالوا الحد الاقصى من العقوبة كي يكونوا عبرة لغيرهم هكذا فقط تبدأ مرحلة منع إطلاق النار العشوائي ولمرة اخيرة.