لا يختلف اثنان على ان ​اسرائيل​ عدوة ل​لبنان​ وهي تطمع بكل ثرواته الطبيعية وتعمل بالسر والعلن على التخفيف من قدراته في شتى المجالات كي تتفوق عليه وترتاح. صحيح ان لبنان نجح في ان يقارع اسرائيل في نواحٍ عديدة، ولكنه لا يزال يعاني من نقص كبير في نواح اخرى، فهو كسر معادلة ان اسرائيل منزّهة عن التعرض للرد عند وقوع عمليات قتالية او حروب، فبات الداخل الاسرائيلي عرضة للخوف والقلق من الصواريخ ووصول الطائرات دون طيار، حتى ان التوتر تخطى الحدود اذ يأخذ الاسرائيليون في الحسبان امكان اختراق حدودهم والوصول الى مستعمرات في الداخل الاسرائيلي.

وبات لبنان ايضاً عبئاً على اسرائيل من خلال ثرواته وموارده الطبيعية التي اكتشفها، والتي في حال عمّ السلام، سيشكل نداً قوياً لها بالنسبة الى الشركات الكبيرة العالمية لاستخراج النفط والغاز وتصديره الى ​اوروبا​ والعالم (رغم الخلافات الداخلية التي ستنشب في لبنان جراء الاختلاف في السياسة...)، كما ان الوضع السياحي والاقتصادي لن يكون لمصلحة اسرائيل عندما يحين وقت السلام في الشرق الاوسط (عندما يحين هذا الوقت)...

رغم كل هذا التقدم الذي حصل على الوضع اللبناني، لا يزال هناك نواح مهمة يعاني فيها لبنان نقصاً اساسياً، ومنها "الفيتو" على تسليح ​الجيش​ بأسلحة قادرة على حماية لبنان من اي اعتداء خارجي على غرار كل دول العالم، ولكن الاهم يبقى في "الفيتو" على التفوق التقني والالكتروني الذي يصب لمصلحة اسرائيل حتماً. ففي كل فترة، يطالعنا في الانباء خبر عن اكتشاف ​جهاز تجسس​ هنا وآخر هناك، وقد لا يتسنى للبنانيين ان يصلوا اليه لمعاينته قبل ان يتم تفجيره عن بعد، ناهيك حتماً عن الطلعات الجوية المتواصلة، وطبعاً الاقمار الصناعية التي تلتقط الصور لكل التحركات على الاراضي اللبنانية. هذا الامر يوضح بما لا يقبل الشك ان الحرب الاسرائيلية مستمرة على لبنان، وانه يشكل مدعاة قلق وتوتر بالنسبة الى الاسرائيليين، وفيما تم كشف معظم خلايا التجسس الاسرائيلية، الا ان الاجهزة تبقى اكثر فاعلية وخطورة.

صحيح ان ​حزب الله​ نجح في اختراق الداخل الاسرائيلي، انما يبقى الانجاز محدوداً، ولا يذكر امام المحاولات اليومية والمتكررة للاسرائيليين في لبنان، وهم يستغلون الدعم الخارجي اللامحدود لهم في هذا المجال من اجل تعزيز هذا التفوق وابقائه على حاله من التقدم، فيما يعاني لبنان الامرّين من اجل جذب آلة من هنا او جهاز من هناك يعطى له ضمن شروط محددة ولاغراض معيّنة فقط.

لم يعد الخوف في لبنان من اسرائيل من الناحية العسكرية، ولو ان قدرة الدمار الذي يمكن ان تلحقه بالبلد كبيرة جداً بفضل التفوق العسكري الواضح، ولكن الرد كان كفيلاً بجعلها تشعر بما لم تحسب له حساباً من قبل، وهو القلق على الداخل الذي وعدت حمايته وعدم تعريضه لاي خطر...

من غير الممكن حالياً ان نحلم بالرد على اسرائيل عبر زرع اجهزة تجسس او عبر الاقمار الصناعية، انما يجب ايجاد طريقة ما كفيلة بأن تحد من "الوقاحة" الاسرائيلية في هذا المجال وتكبت جماح التجسس لانه لا يقل خطورة عن العمليات العسكرية، فهو كفيل بتحديد الكثير من الامور اليومية للبنانيين (عناصر الجيش وحزب الله وحتى المدنيين) والحصول على معلومات بالغة الاهمية في اي حرب او عملية عسكرية قد تحصل في المستقبل.

سكوت المدفع لا يعني انتهاء المهمة، و​الحرب الباردة​ تاريخيا اظهرت انها اكثر واشد ايلاماً ومكراً من الحرب العادية ولو انها تكون اكثر فداحة من حيث الخسائر البشرية والمادية، لذلك فالحرب الاسرائيلية مستمرة ولبنان يخسر في هذا المجال جولات عديدة...