اسف "​تيار المستقبل​" أن تتحول مناسبة تحرير الجرود البقاعية، والانتصار الذي حققه الجيش ال​لبنان​ي على تنظيم "داعش" الإرهابي، والنهاية التي آل اليها مصير ​العسكريين المخطوفين​، الى ميدانٍ لتعكير المناخ الوطني وللسباق على قطف النتائج السياسية وتوزيع المغانم المذهبية والطائفية على المناطق اللبنانية .

واعتذر التيار من اللبنانيين عموماً، ومن أهالي الشهداء خصوصاً، عن اضطراره لدخول حلبة السجال السياسي في هذه اللحظة، التي يفترض أن تكون لحظة توافقٍ وتلاقٍ وطني لا لحظة افتراق وسجال، وذلك في ضوء ما سمعناه جميعاً من الأمين العام لـ"​حزب الله​" السيد حسن نصرالله هذه الليلة. اضاف البيان "يريد الأمين العام لـ"حزب الله" أن يحاسب القوى السياسية على مواقفها المبدئية من دعوته للتواصل مع ​الحكومة السورية​، وتفرد الحزب في اتخاذ قرارات تتصل بأمور السلم والحرب بمعزل عن الدولة ومؤسساتها الدستورية. فما الجديد الذي طرأ على الواقع السياسي في لبنان، عندما تجمع القيادات والشخصيات والأحزاب المعارضة لسياسات "حزب الله"، على رفض دعواته الاخيرة، والامتناع عن تقديم اَي شكل من أشكال التغطية الوطنية والشرعية، لحروب الحزب ومعاركه في الداخل والخارج؟ وما الداعي لمثل هذا القدر من التوتر في اطلاق الاوصاف والاتهامات على جهات وأحزاب وتيارات، لا تحتاج لشهادات حسن سلوك وطني من أحد؟".

وسأل البيان "هل يستوي الشعور بتحقيق انتصار كبير على قوى الاٍرهاب في جرود البقاع، مع الشعور بوجود فئة كبيرة من ​الشعب اللبناني​، ترفض تجيير هذا الانتصار لمصلحة اجندات إقليمية، وتحديداً لمصلحة نظام ​بشار الأسد​، المسؤول الاول والاخير عن توريط سوريا في مذابح أهلية لا مثيل لها في التاريخ العربي؟

واعتبر تيار المستقبل إن "اللغة التي استمع اليها اللبنانيون هذه الليلة، هي لغة تخص صاحبها، لكنها لن تثني "تيار المستقبل" عن التزاماته المبدئية تجاه الدولة ومؤسساتها الشرعية، بل هي تشكل بالنسبة للتيار حافزاً اضافياً للتمسك برفض استخدام لبنان وحكومته جسراً لتقديم شهادات حسن سلوك للنظام السوري، والتزام حصرية السلاح بيد ​الجيش اللبناني​ والمؤسسات الأمنية الرسمية. واكد إن مسؤولية مواجهة ​الارهاب​ ومنعه من التسلل الى لبنان، تقع على اللبنانيين جميعا، ولا تنحصر بفئة او طائفة او حزب. وهذا أمر لا تصح ترجمته، الا بالتأكيد على اعتبار الدولة بمؤسساتها العسكرية والأمنية، الجهة الصالحة لتحمل هذه المسؤولية".

وتابع البيان "اذا كان لـ"حزب الله" أن يفاخر بالمعركة التي نظمها في ​جرود عرسال​، وبالمفاوضات التي اجراها مع "داعش"، ويضعها في خانة الانتصارات التي يحققها على أعداء لبنان، فإننا بدورنا وبكل صراحة ومسؤولية، لسنا في موقع من يريد تلطيخ هذه المعركة ونتائجها بحبر الاتهامات والشكوك، خصوصاً وان هناك مجموعة من الشباب اللبناني قد سقط فيها، وان المسؤولية الاخلاقية تفترض التعاطف مع الأهالي المفجوعين وتجنب الاساءة لمشاعرهم أو إخضاعها للمزايدات السياسية. غير أن هذه المسألة لن تشكل سبباً للتأثير على موقفنا المبدئي من سياسات "حزب الله"، وإصرارنا على اعتبار مشاركة الحزب في ​الحرب السورية​ وامتداداتها اللبنانية، هي جزء لا يتجزأ من مسلسل الحروب الخارجية، وتقع في هذا السبيل ​معركة جرود عرسال​، التي لا يمكن فصلها عن المسار السياسي والامني والعسكري لـ"حزب الله" منذ سنوات، وعن المظلة الإيرانية للحروب الدائرة في غير بلد عربي".

واشار البيان الى إن "تيار المستقبل" مؤتمن على الاستقرار السياسي، الذي يعتبره قاعدة أساسية لحماية لبنان من عواصف المنطقة وتداعيات الحروب المحيطة، ويشدد التيار في هذا المجال على التزام الخطاب العقلاني والمنطقي في مقاربة القضايا الوطنية الحساسة، وعدم الإفراط في تأجيج العصبيات والكلام الشعبوي الذي لا وظيفة له سوى العودة الى اصطفافات مذهبية، تؤذي لبنان والعيش المشترك بين أبنائه، على صورة الدعوة المؤسفة التي وجهت لتعديل وجهة الانتقام الى الداخل اللبناني، رداً على بعض المواقف التي احتجت على نتائج الصفقة مع "داعش". ولفت الى ان التضحيات التي قدمها الجيش اللبناني والإعلان عن استشهاد العسكريين الذين خطفهم وقتلهم غدراً تنظيم "داعش" الإرهابي، يجب ان تشكل مناسبة لاجتماع اللبنانيين بكل اطيافهم السياسية والطائفية، حول الدولة ومؤسساتها الشرعية، والتوقف عن تقديم الخدمات المجانية للنظام السوري، واعتبار لبنان منصة لتقديم المصالح الخارجية على المصلحة اللبنانية.

اضاف "لقد كان للكشف من مصير العسكريين المخطوفين الوقع الموجع في بيوت جميع اللبنانيين، الذين واكبوا طوال سنتين، تعب الآباء، ودموع الأمهات والزوجات، وصراخ الإخوة والاخوات، واستغاثة الأطفال الذين ولدوا وكبروا بعيداً عن حنان الأب واحضانه، وإن "تيار المستقبل" الذي يُكبر شهادة هذه الباقة العطرة من الشهداء الابرار، ينحني أمام تضحيات الأهالي وصمودهم وصبرهم، ويتضرع الى الله سبحانَه وتعالى ان يخفف عنهم ويشملهم برحمته وعنايته، وان يحمي لبنان وجيشه وشعبه من الحرائق المحيطة والقائمين على تسعير نيرانها".