لا تعدّ قضية التأمين من أجل الاستشفاء في ​لبنان​ أمراً سهلاً أو عادياً... فالمريض الذي لا يريد الموت على أبواب المستشفى، أو دفع مبالغ كبيرة لإجراء الفحوصات عليه أن يلجأ الى التأمين، وبالتالي هو أمام خيارين، فإما التعامل مع شركات التأمين مباشرة (تابعة لوزراة الاقتصاد) أو اللجوء للإنتساب الى صندوق تعاضد صحي (تابع لمديرية التعاونيات في وزارة الزراعة).

التعاضد الاجتماعي

يشرح المسؤول عن الصندوق التعاضدي الاجتماعي الصحي الراهب اللبناني الماروني الأب جورج صقر أهمية الصندوق الذي يرأس مجلس ادارته منذ العام 1991، ويقول "هذا الصندوق الذي تأسس في تسعينيات القرن الماضي كان جمعية تُعنى بشؤون أبناء الطائفة المارونية، في 30 تشرين الأول 1992 أصبح هناك مؤسسة مستقلة تسمى صندوق التعاضد الاجتماعي الصحي، وهو يضم حاليا خمسين ألف منتسب ومستفيد"، لافتاً الى أن "لدى الصندوق مجموعة أملاك كالمبنى في جونيه وغيره، وهي كلها هي ملك المنتسبين الى الصندوق أي أنه وفي حال تمت تصفيته فإن الأملاك توزع حصصاً عليهم".

"هذه المؤسسة لا تهدف الى الربح بل مساعدة العائلة ومهمتها الأساس تأمين فواتير الإستشفاء إضافة الى المساعدات التي توزّع على المستفيدين". هذا ما يؤكده الأب جورج صقر، لافتاً الى أنه " على صعيد الإستشفاء لدينا الدرجة الاولى (لا تتعدى لـ5% ومخصصة للاكليروس) ونغطي فيها المريض على 125 ألف دولار، والدرجة التعاضدية التي نغطي فيها المريض على 100 وهناك حالات تخطت هذه الأرقام ورغم ذلك نساعد"، مشدداً على أن "هذا الصندوق يهدف لتخفيض أعباء المصاريف الطبية، وهو متعاقد مع عدد من مقدمي الخدمات الطبية والمختبرات على تعرفة خاصة للفحوصات الخارجية، اضافة لاستفادة كل منتسب حامل بطاقة الصندوق من التغطية فتحسم له 15 % المتوجبة على الفحوصات الخارجية"، ومضيفاً: "يؤمن الصندوق أيضاً مساعدات اجتماعية وعائلية ومدرسية ومنح زواج وتغطية الولادة من أول سنة، من هنا اذا كانت العائلة مؤلفة من أب وأم وعدّة أولاد فإن تأمين هؤلاء الاولاد من السنّ الثانية الى السابعة عشر على حسابنا".

وزير الاقتصاد يرد

ولكن ورغم الخدمات التي تقدمها الصناديق، والصندوق الصحي الاجتماعي واحد منها، فإنها تلقى محاربة كبيرة من قبل شركات التأمين العادية التي تعتبر أن هذه الصناديق تنافسها في مجالها وهي غير شرعية. وفي هذا الاطار يؤكد وزير الاقتصاد رائد خوري لـ"النشرة" أن "شركات التأمين هي الوحيدة المخوّلة قانوناً ان تقدم للجمهور منتجات تأمينية، أما صناديق التعاضد فقد حصرت أهدافها من خلال قانون انشائها بجماعة محددة من المشتركين ولم يسمح لها التوجه الى الجمهور بشكل عام أسوة بشركات التأمين، لذلك فإن النشاط الحالي لبعض صناديق التعاضد مخالف للقانون، وهذا ما يفسر موقف شركات التأمين"، مشيرا في نفس الوقت الى أن "لجنة مراقبة هيئات الضمان (هي هيئة رقابية مستقلة تحت وصاية وزير الاقتصاد والتجارة) التي تخضع شركات التأمين لرقابتها، فرضت على تلك الشركات تقديم سياستها التسعيرية للمراجعة، والزمتهم بتقديم التفاصيل الخاصة لكافة المنتجات".

شركات التأمين تتهرّب!

هنا يشير الأب صقر الى أن "المرسوم الاشتراعي 35/77 (ينظم عمل صناديق التعاضد)، ويتحدث عن ثلاثة روابط للمنتسبين الى صناديق التعاضد، الرابط المهني (في حدود أو نقابة أو ما شابه)، الرابط الجغرافي (يكون نشاطه في حدود نطاق محافظة معينة مثلا جبل لبنان)، أو الرابط الاجتماعي (الوضع الاجتماعي للمنتسبين يجب ان يكون ذات دخل محدود)، شارحاً أن "هذا هو حال ​صندوق التعاضد الصحي​ والاجتماعي الذي يخصّنا"، ولافتاً الى أن "المنتسبين الى صناديق التعاضد لو استطاعوا شراء بوليصة تأمين لما كانوا أتوا إلينا"، مشيرا الى أن الاسباب التي تدفع البعض لترك شركات التأمين والانتساب الينا، هي إما المبالغ المرتفعة التي تتقاضاها شركات التأمين مقابل البوليصة، أو تهرّب بعض الشركات من تغطية نفقات المريض في أمور عديدة".

ويسأل الأب صقر وزير الاقتصاد "لماذا "تقوم القيامة" على صناديق التعاضد في حين أن بعض شركات التأمين أنشأت صناديق تعاضد داخلها"، لافتاً الى أن "الهدف من ذلك الاستفادة من الاعفاءات التي يلحظها قانون التعاضد، وثانيا في حال أتى مريض اليهم لا يملك القدرة المادية لدفع ثمن البوليصة، عندها ينتسب الى صندوق التعاضد في شركة التأمين"، شارحاً أن "الفارق بين صناديق التعاضد التي أسستها الشركات ونحن، هو أن الربح الذي تحصل عليه صناديق الشركات يعود لأصحابها، أما في صناديق التعاضد التي لدينا فيعود الى المنتسبين، فهل هذه المسألة مقبولة"؟!.

إذاً ما بين صناديق التعاضد وشركات التأمين، حربٌ قد لا تنتهي في القريب العاجل، لتبقى صحّة المريض هي الأساس؟!