"اذا اعتكفتم عن هذه الجلسة فإننا لن نسمح لكم بدخول هذه القاعة مجدداً"، بهذه العبارة، وبصرامة وجدية، أكد رئيس ​المحكمة العسكرية​ العميد حسين عبد الله، متوجهاً لموكلي ​أحمد الأسير​ المحامي انطوان نعمة و​محمد صبلوح​ وعبد البديع العاكوم، بأنه في حال اعتكفوا عن حضور هذه الجلسة وانسحبوا منها وعرقلوا سير المحاكمة كما في السابق، فإن المحكمة لن تقبل بدخولهم مجدداً.

وشهدت اليوم أروقة المحكمة العسكرية أشد جولات محاكمة أحمد الأسير وموقوفي أحداث عبرا، من حيث صرامة القرارات وغناها بالمعلومات. فقد قرر العميد عبد الله السير بالمحاكمات وازالة كل العقبات الّتي تواجه الانتهاء من هذا الملف. كما شهدت هذه الجلسة عرض أشرطة مصوّرة من كاميرات حاجز الجيش في عبرا، وتظهر بداية ​معركة عبرا​ وكيف أطلق ارهابيّو الأسير النار مباشرة على ​الجيش اللبناني​ وعملوا على رفع الحاجز.

أخذ ورد

استهلّت الجلسة بتقديم محامية الموقوف عبد الباسط بركات طلب إلى المحكمة باحضار كشف للموقع الجغرافي لبركات اثناء المعركة عبر شريحة هاتفه لأنه، حسب تعبير المحامية، لم يكن موجودا في المعركة أثناء الاشتباكات. أما محامو أحمد الأسير فقدموا طلبات لاخراجه من السجن الانفرادي. فاستمهل العميد عبد الله واجتمع مع اعضاء المحكمة للبت بالموضوع. وبعد الانتهاء من الاستمهال قرر رئيس المحكمة ضمّ الدفوع للأساس واستكمال المحاكمة.

فعلا صوت المحامين مطالبين بتأجيل الجلسة للاستمهال ودراسة الملف. فأوقف العميد عبد الله النقاش قائلا "حقّ الدفاع مقدّس ولكن حسن سير العدالة بخطر بسبب عرقلتكم لها. وصلنا اليوم إلى الجلسة رقم 30 وتعددت الأسباب للتأجيل. وبعد القاء القبض على الأسير كان سبب التأجيل معروفاً أيضاً وهو الاخبار الذي تقدم به موكلو الأسير. علينا ألاّ ننسى ​شهداء الجيش​ ونحن مسؤولون عن اعطاء الحق لهذه الدماء، ولا يجب العمل بهذه الراحة التي تفكرون بها. في الملفّ مستندات تكفي للتحقيق وتم عرض كل ما هو موجود".

حينها قال محامي الأسير انطوان نعمة "يجب أن نأتي بالوزير ​معين المرعبي​ ورئيس الجمهورية الأسبق ​ميشال سليمان​ ورئيس الحكومة الأسبق ​نجيب ميقاتي​ والعميد ​شامل روكز​ ووزير الداخلية الأسبق ​مروان شربل​، لأنهم على ارتباط بالقضية أيضاً"، فأجابه رئيس المحكمة "نحن هنا في قضية استشهاد عسكريين وليس في قضية سياسيّة".

فطلب ممثل النيابة العامة القاضي ​هاني الحجار​ الكلام قائلا "استغرب موقف الدفاع عن الأسير اليوم، فرغم مطالبتنا للأسير بأن يتكلم وأن يأخذ حقه بالاستجواب الا انه دائما ما التزم الصمت. وبالتالي نحن لسنا أمام متهم يدافع عن نفسه، وفي ظل صمته نحن غير مستعدين لاستدعاء اي شاهد لأن هذه الخطوات هدفها عرقلة سير المحكمة. واتضح لي من خلال المحاكمات السابقة، أن أحمد الأسير يخشى من الاعتراف أمام الجميع".

روكز و​حزب الله

​​​​​​​بلحيته وعباءته وقلنوسته، وبشكله الذي اعتاد عليه الجميع قبل أحداث عبرا، وقف الأسير أمام قوس المحكمة. عاقداً حاجبيه، بدأ بالكلام "أستغرب حينما تقولون أنني أنا من أماطل بالمحاكمة أو لا أريد الاستجواب، وكأنني في بيتي ولا أتعذب في اليوم ألف مرة، وكأني لا أعيش في زنزانة انفرادية تفتقد لأدنى حقوق الانسان ولا املك حقوقي كسجين برؤية أهلي"، لافتاً إلى أن "سبب صمتي هو رغبتي بوجود محاكمة عادلة تنصفني وتحاكم من تآمر علينا".

أضاف الأسير "المسار الذي أخذته هذه المحاكمة غير عادلة لأنها تخفي من أطلق الرصاصة الأولى (يقصد بذلك حزب الله). والنيابة العامة التي ترفض النظر بهذا الإخبار معروفة لمن تتبع، وقضيتي هذه سياسية مئة بالمئة. عليكم أن تكشفوا كيف قال لنا وزير الداخلية في حينها مروان شربل بأن نخلي الأماكن قبل أن تبدأ المؤامرة، وكيف حضر سياسيون إلى المنطقة وأخلوا المنازل قبل يوم من المعركة. وكيف أقدم (العميد) شامل روكز على الاتفاق مع حزب الله لاقتحام عبرا".

حينها تدخل محامو الاسير طالبين الاستمهال "وهو حق من حقوق الدفاع"، فرفض رئيس المحكمة لأن هذا الأمر يعرقل الجلسات، فقال المحامي العاكوم "أمام عدم البت بالإخبار، والتدخل السياسي الواضح في هذه القضية، وفي ظل رد كل طلبات الدفاع وتأكيدا على قرار النقابة بمنع وضع محامي عسكري وحرصاً منا على حقوق الجميع وحقوق الشهداء بمعرفة القاتل الحقيقي، نعلن الاستنكاف عن حضور الجلسات". فتدخل حينها العميد عبد الله وبكل صرامة وجدية قال "اذا اعتكفتم هذه المرة فلن تدخلوا مرّة أخرى إلى هذه المحاكمة". فخرج المحامون من الجلسة.

من ثم بدأ استجواب المتهم الأخير في القضية حسين ياسين، الذي شارك الشيخ أحمد الحريري (أحد الشيوخ التابعين لمسجد بلال بن رباح) بمهاجمة حاجز الجيش على مدخل عبرا ومطالبة الضابط المسؤول عن الحاجز بإزالته فوراً، قبل أن يعتدوا على الجيش ويطلقوا النار عليه مباشرة. الا أن ياسين رفض كل ما نسب له من اعترافات في التحقيقات الأولية، فتدخل المتهم الآخر محمد صلاح من خلف القضبان وصرخ "من حقّق معنا في التحقيقات الأولية هم عناصر حزب الشيطان وكل هذه الاعترافات على لساننا كذب"، فطلب منه رئيس المحكمة عدم الكلام من دون اذن.

"خزقوا الجيش"

عند انتهاء ياسين من الاستجواب عرضت المحكمة مقاطع مصورة من كاميرات كانت مثبّتة على حاجز الجيش، وهي تنشر للمرة الأولى وتستخدم للمرة الأولى في المحاكمة وهي تظهر كيف هاجم عناصر الأسير حاجز الجيش.

وأظهرت المقاطع كيف نزلت مجموعة تابعة للأسير بقيادة أحمد الحريري، وبدأت تصرخ على عناصر الجيش المتواجدين على الحاجز، واقتحموه وتوزعوا على كل النقاط، قبل أن يحطموا كل الموجودات عليه. وبعد دقائق، ومن زاوية أخرى، يظهر كيف أن عناصر الأسير المنتشرين، أطلقوا النار مباشرة وعلى مسافة قريبة جداً، على عناصر الجيش اللبناني حيث استشهد 5 عناصر مباشرة. وفي مقطع مصوّر آخر، يظهر الأسير وهو داخل مسجد بلال بن رباح ويقول لعناصره المسلحة خلال الاشتباكات "خزقوهن لعناصر الجيش... اضربوا الـB7 على هيدي الدبّابة بسرعة"، ويظهر كيف كان يدير المعركة مباشرة ضد الجيش اللبناني.

حينها استدعى رئيس المحكمة أحمد الأسير وطلب منه التعليق على هذه المقاطع فقال الأسير "ان هذا الفيديو يظهر جلياً أن من أطلق الرصاصة الأولى ليس نحن"، فأجابه رئيس المحكمة "عناصرك قتلوا عناصر الجيش مباشرة وهذا كله ظاهر في الفيديو. وانت لا زلت تقول الرصاصة الأولى". فأجاب الأسير "نعم هناك نقاش طويل في موضوع اطلاق عناصري للنار لكن المهم أننا ضحية مؤامرة ويجب أن نعرف من أطلق الرصاصة الأولى. حضرة العميد، يظهر انك تأخذ حكم مسبق وتسقط هذه الأحكام على الفيديوهات. ان هذه المحكمة يهيمن عليها المشروع الايراني". وأضاف الأسير "أنتم ترفضون احضار الشهود لأنهم لا يُسألون عمّا يفعلون. أنتم لا تحضرون الطرف الثالث إلى المحاكمة ولا تحضرون من أطلق الرصاصة الأولى. أنت القاضي ويمكنك ​القضاء​ علينا، ولكن أريد أن أخبرك أن هناك يوم قيامة. اتّقوا الله فينا فأنتم ظلمتمونا. اطالب شامل روكز بأن يوضح التنسيق الذي حصل مع حزب الله. أنا لا أثق بهذه المحكمة لذا أنا ألتزم الصمت". حينها أعلن رئيس المحكمة انتهاء الاستجوابات والبدء في المرافعة، وحدد جلسة 28 أيلول المقبل للمباشرة بالمرافعات.