يقول ولي العهد السعودي الشاب «الأمير» محمد بن سلمان في تصريح له إن السعودية ستعود إلى «​الإسلام​ الوسطي وإن بلاده ستقضي على أصحاب الأفكار المتطرّفة وتعيش حياة طبيعية»، و«سنعود إلى ما كنّا عليه من الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح ويضيف سندمّر أصحاب الأفكار المتطرفة ونعيش حياة طبيعية، ونعود إلى ما كنا عليه من قبل، بلد إسلام معتدل مفتوح لجميع الأديان والعالم».

يتحدّث بن سلمان بلغتين اللغة الأولى تؤكد النية بالتغيير، لكنها تدين المملكة بأنها غذّت أمواج التطرف الاجتماعي والسياسي والعسكري، واللغة الثانية إعلانه عن بدء مرحلة جديدة في السعودية تحمل انفتاحاً ثقافياً واجتماعياً وسياسياً من غير المعروف إلى أين يمكن أن يصل في حدود السياسة بالتحديد.

السؤال اليوم عن إمكانية التقدم نحو الاعتدال والعودة الى الماضي يأخذ نحو السؤال عن العلاقة ب​إيران​، فكيف يمكن للمملكة الحديث عن انفتاح من دون فتح حوار جدي مع إيران، خصوصاً أن الأخيرة مستعدّة، حسب المعلومات الى هذا الحوار. وهي تقول إن الرياض هي التي لا تريد مدّ اليد نحو الحوار. وبهذا الإطار نجحت إيران في الانسجام مع هذا، باعتبار أنها حاورت الدول الغربية في ملفها النووي، كما التقت بمسؤولين أميركيين أمثال ​جيفري فيلتمان​، وفتحت الباب له الى ​طهران​. تُضاف الى ذلك العلاقة الجيدة بين إيران وقطر و​تركيا​، رغم دعم الأخيرتين ل​جبهة النصرة​ وتضرر إيران المباشر في سورية، حيث خسرت هناك عسكريين بسبب هذا الدعم.

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، يؤكد في تصريح أخير له أن «إيران تريد الحوار بين جميع جيرانها ومعهم». وهو الأمر الذي من المفترض أن تتقدّم نحوه السعودية اذا كان الحديث عن الانفتاح يصبّ في هذا الإطار، إلا إذا كانت ستواصل المملكة التصنيفات واعتبار إيران قوة إرهابية ما يعني البقاء على دعم كل الحركات القادرة على استهداف إيران وحلفائها هي غالباً متطرّفة.

هذه المحطات أساسية في عملية الإحاطة بمرحلة الانتقال إلى الاعتدال السعودي:

ذكر الرئيس السابق ​باراك اوباما​ امام مجلة «اتلانتك» الأميريكية مودعاً عهده عارضاً إنجازاته تجاه الخصوم مثل إيران وكوبا والانسحاب من ​العراق​ و​أفغانستان​ والقضاء على أسامة بن لادن في ​باكستان​، مؤكداً أن هناك أموراً لم تكن لتجري من دون مساعدة المملكة العربية السعودية التي كانت تدعم مشايخ التطرّف في ​اندونيسيا​ وباكستان. وهذا الكلام المسجل للصحافي جيفري غولدبرغ آنذاك أثار استياء العائلة السعودية المالكة لتأتي بعدها محطة التصنيف الأميركي في حادثة 11 ايلول وقانون «جاستا» الذي وضع السعودية أمام موقف «صعب جداً» تطلب منها العمل على تصحيح سمعة المملكة، خصوصاً أنه قانون يرفع الغطاء عن الدول الحليفة ويقتادها للعدالة الأميركية. الأمر الذي تكفل برفع مسألة العمل على تحسين صورة السعودية نصب عين السعوديين.

نجحت ​الولايات المتحدة​ بالابتزاز الكبير من هذا المنطلق، وصار همّ الرياض التخلص من هذه الصبغة منذ ذلك الوقت، حتى اللحظة فما كان إلا محاولة قلب الأدوار وزجّ صفة ​الإرهاب​ ودعمه بالجارة الخليجية قطر لإزاحة العين الدولية عن اتهام السعودية بدعم الإرهاب أو حتى الإدانة الحقوقية في الأمم المتحدة لجرائم حرب سعودية في ​اليمن​ ضد المدنيين للمرة الأولى أيضاً، ما شكل نقطة تحذير قوية للرياض إذا لم تتداركه خصوصاً أن الحركات الشعبية من الجهة الشرقية المطالبة بالإصلاح جاهزة في اي وقت للعودة الى الشارع. وهو الأمر الذي لا يستهين فيه أي من الحكام العرب بعد الأزمات العربية المتتالية بغض النظر عن طريقة التعاطي الذي لا يُلغي وجود المشكلة.

تقدّمت المملكة نحو إصلاحات داخل العائلة الحاكمة ونزعت نحو التغيير بالنفس الشبابي الذي استطاع امتصاص الشارع حتى هذه اللحظة، لكنه في الوقت نفسه فتح أخطاراً كبيرة داخل العائلة الحاكمة قد تنفجر في أي لحظة، خصوصاً الخلاف بين الأمير محمد بن نايف ومحمد بن سلمان الذي استحصل على ولاية العهد منه ضمن الإصلاحات نفسها التي يُقال إن جزءاً منها بإيعاز أميركي مباشر وهنا بيت القصيد.

دخول الولايات المتّحدة الناجح على خط التأثير في مصير القيادة السعودية بات واضحاً، لكنه خطير أيضاً فواشنطن التي تدعم اليوم محمد بن سلمان ليصبح الملك الفعلي للبلاد هي نفسها، مَن لا تقاطع باقي الأطراف السعودية امثال محمد بن نايف. وهي سياسة براغماتية تتقدّم نحوها واشنطن في أغلب تعاطيها مع الدول العربية أحداثاً وظروفاً وسلطات. فهي اليوم مثلاً لا تقاطع قطر التي دخلت أزمة جدية مع السعودية والخليج وفي الوقت نفسه لم تتعاطَ مع الثورات الشعبية من منطلق داعم لخاسر أو رابح، فلطالما انتظرت واشنطن نبض الشارع لتنقلب على الحكم الذي دعمته أصلاً كحالة الرئيس مرسي ثم انتقالها لدعم الرئيس ​عبد الفتاح السيسي​ في لحظة انقلاب واضحة تبين من خلالها أنها لم تتوقف عن مدّ جسور مع ​الاخوان المسلمين​ في المنطقة. وهي لم تتوقف عن ذلك بطبيعة الحال والدليل علاقتها بتركيا وقطر.

السؤال اليوم عن الخيار السعودي الانفتاحي تجاه إيران هو الاختبار الأول والأوحد القادر على عنونة سياسة سعودية جديدة ومعتدلة أو منفتحة على غرار تعامل الدول الكبرى التي غالباً لا تقاطع أحداً، كما بات واضحاً. وهو دليل وحيد على جدية هذه الرغبة. فهل ينجح ولي العهد السعودي برسم سياسة واقعية بعيدة عن الكيدية ضد الجوار؟ أم ان الاعتدال المفترض هو فقط إصلاحات داخلية لتهدئة المعترضين على ولايته للعهد؟