منذ إعلان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ عن إستقالته الغامضة من حيث الأسباب والتوقيت، من العاصمة السعودية الرياض، طُرحت الكثير من الأسئلة على المستوى ​الدستور​ي، لا سيما في ظل تريث رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في البت بها، نظراً إلى أنه، من الناحية الدستورية والقانونية، كان على رئيس الجمهورية، بعد تبلغه بالإستقالة، الدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة من أجل تسمية رئيس حكومة مكلف.

من حيث المبدأ، ليس هناك ما يجبر رئيس الجمهورية على القيام بهذه الدعوة ضمن مهلة زمنية محددة، خصوصاً أن مرسوم قبول الإستقالة لا يصدر إلا بالتزامن مع مرسومي تسمية رئيس الحكومة المكلف الجديد وتشكيل الحكومة الجديدة.

في هذا السياق، يوضح الخبير الدستوري ​عادل يمين​، في حديث لـ"النشرة"، أنه "لا يمكن دستورياً أو قانونياً رفض قبول إستقالة رئيس الحكومة، بمعنى إجباره على البقاء"، مشيراً إلى أن "رئيس الجمهورية يستطيع التريث طالما لم يصدر أي موقف عن رئاسة الجمهورية من جهة، كما لم يصدر مرسوم قبول إستقالة الحكومة".

من وجهة نظر يمين، "هذا التريث يسمح لرئيس الحكومة بالتراجع عن إستقالته"، ويشدد على أنه "في ظل الملابسات التي تزرع الشك بمدى حرية الحريري في القرار يكون من واجب رئيس الجمهورية التريث بقبول إستقالته، من أجل التأكد من أن حريته في إتخاذ هذا القرار كانت مصانة وإرادته ليست معلقة، خصوصاً أن الإكراه يفسد كل عمل".

ويؤكد يمين أن "العماد عون تصرف بكثير من الحس بالمسؤولية، كرئيس للجمهورية والدولة مؤتمن على حماية الدستور"، موضحاً أن "الدستور لا يلزم الرئيس بأي مهلة زمنية لقبول الإستقالة أو الدعوة لإستشارات نيابية ملزمة"، نافياً أن يكون هناك أي سابقة في التاريخ الدستوري الإستقلالي من هذا النوع، ومعتبراً أن "هذا هو المبرر الكبير لتريث رئيس الجمهورية"، لكنه أوضح أنه "بحال تأخر الحريري مدة طويلة يكون على رئيس الجمهورية إتخاذ القرار المناسب حسبما تقتضيه المصلحة الوطنية العليا".

​​​​​​​في الجهة المقابلة، يشدد الخبير الدستوري النائب السابق ​صلاح حنين​، في حديث لـ"النشرة"، على أنه لا يمكن الحديث عن إستقالة حتى الآن، لا سيما أنها قدمت من خارج ​لبنان​ وبشكل ملتبس، لافتاً إلى أن رئيس الحكومة يجب أن يستقيل أمام شعبه، مشيراً إلى أن الإستقالة يجب أن تكون مكتوبة، ويضيف: "النائب في ​مجلس النواب​ لا تقبل إستقالته إلا بعد أن ترسل خطية ويتم تلاوتها في الهيئة العامة".

ويؤكد حنين أن من حق المواطنين اللبنانيين أن يعرفوا مصير رئيس حكومتهم، لا سيما أن الإستقالة لم تأت بظروف عادية وهو غادر البلاد بصفته رئيساً للحكومة في زيارة عمل بحسب ما أعلن، وبعد ذلك يمكن أن يعود إلى البلد كي يقدمها مكتوبة إلى رئيس الجمهورية، ويشير إلى أن هذا تقليد معروف حتى ولو لم يكن مذكوراً في الدستور.

ويوضح حنين أن هذا الأمر لم يحصل في أي دولة، بالنسبة إلى تقديم رئيس حكومة إستقالته من الخارج، ويلفت إلى أن هذا الأمر لا يجوز لأن هناك كرامة وطنية وأدبيات سياسية، بغض النظر من هو رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، ويضيف: "حتى الآن لا يمكن الحديث عن إستقالة أو إستشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة مكلف، قبل عودة الحريري وتقديمها بالشكل المطلوب".

في المحصلة، كل الأمور اليوم معلقة بانتظار عودة رئيس الحكومة إلى لبنان، في ظل الإستشارات التي يقوم بها رئيس الجمهورية بهدف الحد من التداعيات السلبية، فهل يعود الحريري قريباً لقطع الشك باليقين؟