لم يعد ​مؤتمر جنيف​ مؤثراً وله أي جدوى، في اطار عملية البحث عن حل للأزمة السوريّة، عندما انعقد مؤتمر جنيف الأول، في منتصف العام 2012، حددت مهلة لاسقاط النظام تحت عنوان انتقال السلطة، بعدها لم تتأخر المحاولات الميدانية لتحقيق هذا الهدف، اذ تلاه بعد أقل من شهر تفجير خليّة الأزمة، ثم اعلان ساعة الصفر للهجوم على العاصمة دمشق.

أفشل ​الجيش السوري​ المحاولة ودخل بعد ذلك "​حزب الله​" الى القصير والغوطة الشرقيّة ثم القلمون، وعلى وقع المتغيرات في الميدان تأجل انعقاد مؤتمر جنيف 2، بسبب اختلال موازين القوّة، فكان الرد باطلاق تنظيم "داعش" في ​سوريا​، واعلان وجوده في منتصف العام 2013.

مع دخول القوات الروسيّة، في صيف العام 2015، الى سوريا، أقر ​مجلس الامن​ في نهاية العام نفسه القرار 2254، الذي تضمن الاعتراف بوجود مجموعات ارهابيّة وأنهى الحديث عن انتقال السلطة، وأطلق العد العكسي لانهاء وجود "داعش" وبدء اقتسام ورثة التنظيم الإرهابي ضمن معادلات دوليّة لم ترق لدمشق، اذ أن الولايات المتحدة تتذرع بقتاله لشرعنة وجودها في التنف والرقة والحسكة، وهي تربط هذا التواجد للضغط على الحكومة السورية واستثماره في الحل على مبدأ تتويج سياسي بعمل عسكري.

حتى الآن، لم تنجح الادارة الأميركية في ترجمة نفوذها في الحل السياسي، بل يبدو أنها لا تريد حل الأزمة راهنًا، حيث تعرقل المؤتمرات في الوقت الذي تجهد موسكو لاعادة الاستقرار إلى المنطقة، وتسعى لايجاد حل سياسي عبر حوار سوري في سوتشي، بعد أن نجح مسار الاستانة في قلب المعادلات الميدانية، وشكل مفصلاً رئيسياً في مسار الأزمة.

ما حققه مؤتمر الاستانة، بجولاته السبعة، من استحداث مناطق خفض التصعيد، وهزيمة "داعش"، بالإضافة إلى فكفكة عقد الأزمة، كشف عجز مسار جنيف عن التقدم بأي طرح جدّي لحل الأزمة، لا سيما أنه عبر الاستانة أثبتت الدول المؤثرة في الميدان قدرتها على تحجيم الأزمة، ووضعها على سكة الحل السياسي، لتنطلق مرحلة ​مؤتمر الحوار السوري​ في سوتشي.

ما نجح به الجانب الروسي، قبل عشرة أشهر، لناحية جمع المجموعات المسلحة والحكومة السورية والدول الاقليمية على طاولة واحدة، وتأمين الهدوء على معظم الجبهات، بالإضافة إلى تحييد المجموعات المسلحة عن القتال، والسماح للقوات السورية وحلفائها بالانتقال إلى جبهة واحدة لقتال "داعش"، دفع موسكو لاطلاق الحوار وجعل سنة 2018 عام حل ​الأزمة السورية​، لا سيما بعد أن ضاقت خيارات المجموعات المسلحة، التي، لم تعد قادرة على المواجهة في حال رفضت الحل السياسي، خصوصاً بعد أن بات لدى الجيش السوري وحلفاءه فائضا من القوة قادر على اضعاف تلك المجموعات واجبارها على الاستسلام.

حتى الآن، لا يرى المسؤولون السوريون أن الحل السياسي على الأبواب، في ظل التواجد الأميركي والتوسع الكردي واستمرار السعودية و​تركيا​ بدعم المسلحين، وهم يفضلون انهاء ​الارهاب​ قبل الحديث عنه، إلا أن أمراً واحداً يُفسر المشاركة الدائمة في أي دعوة للحوار، وهو أن دمشق اتّبعت، منذ بداية الأزمة، مبدأ فصل المسار العسكري عن السياسي، بالرغم من أن ذلك لا يعني عدم ارتباطهما، لكن لكل منهما عمله ومعادلاته.