كثّف الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ في الساعات الماضية إجتماعاته وإتصالاته بالرؤساء وبالقادة المعنيّين بشكل أو بآخر بالحرب السوريّة، حيث إستقبل الرئيس السوري بشّار الأسد في مدينة"سوتشي"، وتواصل هاتفيًا مع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ وبعض القادة في منطقة ​الشرق الأوسط​، وذلك عشيّة لقاء القِمّة المُنتظر اليوم بين رؤساء كل من ​روسيا​ (فلاديمير بوتين) و​إيران​ (​حسن روحاني​) و​تركيا​ (رجب طيّب أردوغان). وتزامنت هذه اللقاءات والإتصالات مع إجتماع ثلاثي عُقد في "سوتشي" أيضًا، وضمّ رؤساء أركان جيوش روسيا (​فاليري غيراسيموف​)، وإيران (​محمد باقري​)، وتركيا (​خلوصي أكار​). كما أنّ هذه الحركة النشيطة بشأن الأزمة السوريّة تأتي أيضًا على بُعد نحو أسبوعين من "المُؤتمر" الذي تنوي روسيا إستضافته في "سوتشي" مطلع الشهر المُقبل(1). فما الذي يُحضّر؟.

لا شكّ أنّ روسيا تعتبر أنّ الوقت الحالي مثالي لفرض الحلّ الذي حاولت تسويقه في الفترة الأخيرة، وهي تتصرّف من "موقع قُوّة" نتيجة التغييرات الميدانية الكبيرة لصالح النظام السوري والقوات الحليفة له، وبفعل إنكفاء العديد من الدول الغربيّة عن التدخّل بفعاليّة في الأزمة السورية، وكذلك نتيجة تقديم تركيا مصالحها الخاصة على حساب مصلحة المعارضة السورية، بحيث أوقفت دعمها لهذه المعارضة في مُقابل إعادة علاقاتها مع روسيا وإيران ومُساندتها برفض وجود "​قوات سوريا الديمقراطية​" (قسد) في الشمال الشرقي من سوريا، وبالتالي برفض إنشاء دويلة كرديّة على حُدودها. وتطمح روسيا لإشراك الأمم المتحدة في المرحلة النهائية من التسوية المنشودة في سوريا، بهدف الإستفادة من غطاء دَولي ورسمي لمشروعها للتسوية والذي يختلف عمّا جرى التوافق عليه في سلسلة مُؤتمرات جنيف الدَولية بشأن سوريا، والتي كانت إنطلقت في العام 2012. ويرتكز مشروع الحلّ الروسي على:

أوّلاً: العمل على زيادة عدد مناطق "خفض التوتّر" التي إبتكرتها روسيا خلال جولات مفاوضات "آستانة" التي بدأت أواخر العام 2016، وعلى تعزيز الإستقرار والهدوء في تلك التي سبق أنّ جرى التعامل معها بهذا التصنيف.

ثانيًا: إيصال المُساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق في سوريا، لا سيّما تلك التي تُعاني من نقص في المواد الغذائية والحياتية الأساسيّة.

ثالثًا: إستمرار التنسيق والعمل المُشترك لمُواجهة أي مجموعات إرهابيّة ما زالت تعمل على ضرب الإستقرار وإفشال جُهود السلام.

رابعًا: العمل على إنشاء لجان للبحث في مصير المُعتقلين والمفقودين والمُهجرين من أراضيهم.

خامسًا: تكثيف الإتصالات الإقليمية والدَولية الرامية إلى التوصّل إلى حلّ سياسي للأزمة السوريّة، بموجب قرار مجلس الأمن الدَولي رقم 2254.

سادسًا: العمل على صياغة دُستور جديد يحفظ التنوع، وعلى تنظيم إنتخابات بإشراف الأمم المُتحدة.

سابعًا: تشكيل حكومة إنتقالية بصلاحيّات تنفيذيّة، من دون تحديد حجم هذه السُلطات ولا الإشارة إلى إحتمال تضاربها مع السُلطات الواسعة للرئيس السوري.

في المُقابل، أعلنت مجموعات واسعة من القوى السورية المُعارضة رفضها المُشاركة في مُؤتمر "سوتشي" المُرتقب عقده في الثاني من كانون الأوّل المُقبل، بحجّة أنّه يُمثّل مُحاولة لقطع الطريق على أي حلول يُمكن أن تأتي من مُؤتمر جنيف وبرعاية دَولية، وكذلك لإعادة تأهيل نظام الرئيس السُوري بشّار الأسد، في مُقابل تمثيل صُوري لما يُسمّى "مُعارضة الداخل"، ومن دون الأخذ بأيّ من مطالب المُعارضة السُورية الحقيقيّة، ومع ترك قواعد عسكريّة لكل من روسيا وإيران في سوريا، لتأمين الدعم للنظام عند الحاجة. وبحسب المُعارضة السورية فإنّ النظام السوري يلعب على الكلام للإلتفاف على "الحلّ الروسي" بحيث لا يتحدّث عن دُستور سوري جديد وإنما عن بعض التعديلات المُمكنة على الدُستور، ولا يتحدّث عن إنتخابات برعاية دَوليّة وإنّما عن إحتمال المُوافقة على تنظيم إنتخابات تشريعية بعد مُدّة وليس في المُستقبل القريب، من دون أي إشارة إلى إشراف الأمم المُتحدة. وترغب المُعارضة السورية أيضًا باستغلال ما تعتبره أوراقًا بيدها يُحاول النظام السوري طمسها وتجاهلها، ومنها مثلاً ورقة الضغط الإقتصادي، حيث تُسيطر وحدات معارضة على 70 % من حُقول النفط السورية في الشمال الشرقي للبلاد وشرقها(2) إضافة إلى مناجم الفوسفات، والكثير من الأراضي الخصبة، وكذلك على معبر نصيب جنوبًا، وكذلك ورقة الضغط المعنوي حيث تُصرّ المُعارضة على الإستفادة من ملفّ التحقيقات باستخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية والتي إنتهت بتحميله مسؤولية قصف "خان شيخون" بغاز السارين، إلخ...

واللافت أنّ الأزمة في سوريا ستكون مدار بحث خلال مؤتمر "الرياض 2"، إعتبارًا من اليوم الأربعاء وحتى يوم الجمعة، وذلك تحضيرًا لمؤتمر جنيف في دورته الثامنة التي ستُعقد مطلع الأسبوع المقبل، حيث تُحاول السعودية تأمين خروج المُعارضة بوفد مُوحّد إلى جنيف، إضافة إلى توسيع "الهيئة العليا" ودعمها بشخصيّات من "المُجتمع المدني" في سوريا، لقطع الطريق على مُحاولات إستنباط شخصيّات مُعارضة تارة من القاهرة وطورًا من دمشق نفسها. لكنّ المُفارقة أنّ رياض حجاب الذي إنتخب لتولّي منصب المُنسّق العام للهيئة العليا للمُفاوضات السوريّة المُعارضة، خلال مؤتمر "الرياض 1" الذي كان إنعقد في كانون الأوّل 2015، قدّم إستقالته في الأيّام القليلة الماضية، إلى جانب مجموعة من أعضاء هذه الهيئة، بسبب رفضهم لتجاوز إرادة السوريّين في الحلول والتسويات التي يجري إعدادها، وعتبهم على تسليم مُختلف القوى الإقليمية والدَوليّة بالدور الروسي للحلّ!.

وفي الختام، لا شكّ أنّ روسيا تسعى جاهدة لتعزيز نفوذها في المنطقة، وعلى الساحة العالمية، من خلال لعب دور عرّاب إتفاق التسوية السورية المنشود، مُستفيدة من نقاط القُوّة المتعددّة التي بيدها حاليًا. فهل ستنجح القوى السورية المُعارضة، والدول التي تدعمها-أو من تبقّى منها، في عرقلة هذا المسار أم أنّ الوقت قد فات لذلك؟

(1) أطلقت عليه بداية إسم "مؤتمر شعوب سوريا" قبل أن تُعدّل هذا الإسم الذي لاقى إعتراضات واسعة، ليُصبح "مؤتمر الحوار الوطني".

(2) قدرتها الإنتاجيّة 385,000 برميل يوميًا.