على ما يبدو ووفق اوساط سياسية بارزة في ​8 آذار​ لم يكن إعلان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ تريثه او تراجعه التكتيكي عن الاستقالة بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في بعبدا «ابن ساعته» او لحظوياً او فورياً بل كان مبيتاً ومحضراً سلفاً ومستنداً الى اتصالات مكوكية اجراها الرئيس الحريري من مصر خلال لقائه الرئيس المصري ​عبد الفتاح السيسي​ مساء الثلاثاء الماضي مع كل من الرئيس عون ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ومع القنوات المعتمدة بين الحريري و​حزب الله​ اي عبر مدير مكتبه ​نادر الحريري​ والوزير ​نهاد المشنوق​ وعبر الوزير ​محمد فنيش​ والحاج ​حسين الخليل​. وافضت هذه الاتصالات الى تطمينات للحريري من كل هذه الاطراف بأن كل القوى الداخلية من عون الى بري وحزب الله متمسكة ببقاء الحريري في الحكومة ومتمسكة ب​التسوية الرئاسية​ التي تمت في 31 تشرين الاول من العام 2016 ورافضة بقوة وحزم الاعتداء السعودي الصارخ على كرامة رئيس الحكومة الشخصية واحتجاز حريته وعائلته واجباره على الاستقالة وتعنيفه مادياً ومعنوياً وتهديده بكل الوسائل والاعتداء على الكرامة الوطنية باهانة كل اللبنانيين باهانة رئيس حكومة لبنان. كما لم يكتف السعوديون عبر القيادة الجديدة الحالية والممثلة بولي العهد محمد بن سلمان بذلك بل لجأوا الى تنفيذ حكم إعدام سياسي وانهاء مستقبل الحريري السياسي واستبداله بأخيه بهاء كوريث سني في ​تيار المستقبل​ والحكومة ويمثل الخط السعودي التصعيدي والناري لبن سلمان.

وتقول الاوساط ان كل ما جرى مع الحريري في ​السعودية​ خلال الـ15 يوماً القاسية والمؤلمة جداً كما يصفها الحريري في مجالسه الخاصة جعلته يقتنع بأن العلاقة مع السعودية انتهت سياسياً واقتصادياً ومالياً وان السعودية قطعت كل اتصال فيه معنوياً ومادياً وسياسياً مجرد ركوبه طائرته الى باريس. وتشدد الاوساط على ان السعودية خسرت الحريري وخسرت معه سُنّة لبنان الذين يمثلهم الحريري كما عرضت نفسها لاحراج دولي ما اجبر الالمان والفرنسيين والاميركيين على التعبير «عن قلقهم» وانزعاجهم مما جرى مع الحريري وكلهم عبروا عن وجهة نظرهم اما بلغة دبلوماسية هادئة او عالية النبرة. وتلفت الاوساط الى ان الاجماع الداخلي والتكاتف الوطني السياسي والشعبي والديني واحتضان الحريري في محنته بالاضافة الى مواقف عون وبري والسيد حسن نصرالله وخصوصا اطلالاته المتلفزة الاخيرة ومنذ ايام تحديداً شكلت غطاء قوياً وضمانة للحريري بالاضافة الى مظلة اقليمية ودولية وفرتها ​روسيا​ و​ايران​ و​تركيا​ ومصر. اذ يُلاحظ ان هذه الدول باتت تنسق مواقفها وتحركاتها من الملف السوري وتجمع على ان التسوية السورية بدأت. وعلى ما يبدو وفق الاوساط ان السعودية خارج هذه التسوية ولن تكون حاضرة في سوتشي وان الورقة اللبنانية خارج متناول يدها. فصحيح ان الاتراك والمصريين مختلفون في النظرة الى التعاطي مع الاخوان المسلمين وسُنة المنطقة والعالم العربي لكنهم التقوا على توفير غطاء سني للحريري وبديل عن التغطية السعودية له على اعتبار ان استقرار لبنان وبقاء الحريري في الحكومة يُبقي لمصر وتركيا هذه الاطلالة على الملف السوري من لبنان وبحكم علاقة الدولتين الجيدة اليوم مع ايران وروسيا.

وتشير الاوساط الى ان الحريري بدأ لقاءاته الثنائية مع كل من الرئيسين عون وبري كما التقى موفدون منه موفدين لحزب الله واللقاءات الثنائية ستستمر حتى نضوج صيغة قيد الاعداد لاعادة تثبيت التسوية الرئاسية وبلورة «مفهوم جديد للنأي بالنفس» ويخدمه اعلان حزب الله انه خارج الصراع اليمني ولا يتدخل في ازمات الخليج وسيخرج من ​العراق​ و​سوريا​ تباعاً مع انتهاء مهامه القتالية، وهذه الامور سيعرضها الحريري في اول جلسة حكومية يرأسها عون وستعلن وثيقة او بيان اشبه بكتاب العودة عن الاستقالة والاستمرار بالحكومة الحالية لتنتظم الدولة من جديد.