قال يسوع: "أنا هو. وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوّة وآتيًا في سحاب السماء" (مرقس٦٢:١٤(، ما قاله الرّبّ ​يسوع المسيح​ لرئيس الكهنة أمام السنهدريم ​اليهود​ي جعلهم يجنّون، فما كان من رئيس الكهنة إلاّ أن مزّق ثيابه معلنًا بذلك قمّة التجديف.

تمزيق الثياب أي الأفود الكهنوتيّة هو مفصليّ ومخالف للنّاموس وللشّريعة، كأنّه بذلك يقول أن لا كهنوت بعد اليوم. يا للعجب، اليهود مزّقوا ثياب كهنوتهم والرّبّ المصلوب اقترعوا على ثيابه دون تمزيقها.!

ما سرّ هذه العبارة؟ أتى جواب يسوع على سوال طُرح عليه: "أأنت المسيح ابن المبارك"؟ هذا السوال يعني حرفيًّا: "أأنت ابن الله"؟

جواب يسوع بالتّأكيد يعني أنّه هو والله واحد، من طبيعته ومن جوهره، ولا شيء يفصله عنه. وأكثر من ذلك جعل من نفسه ابن الإنسان المتأنّس، الديّان الجالس عن يمين القدرة الإلهيّة والآتي على السحاب في اليوم الأخير (مت٣٠:٢٤). وهنا لا بد لنا من شرح أمر بغاية الأهميّة: هذا كان المنتظر عند اليهود بحسب رؤية دانيال النبيّ. ففي رؤية دانيال نقرأ: يتكلّم أوّلًا القديم الأيّام على العرش (دا٩:٧)، ومن ثَمّ يُكمل: "وإذا مع سحب السماء مثلُ ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيّام، فقرّبوه قدّامه فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبّد له كلّ الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبديّ ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض" (دا ١٣:٧). ويُنهي، "حتى جاء القديم الأيّام وأعطى الدّين لقدّيسي العلي، وبلغ الوقت فامتلك القدّيسون المملكة" (دا٢٢:٧). كلّ ذلك ليقول لنا: يشير الْقَدِيمُ الأَيَّامِ إلى الآب الذي أعطى الدينونة للابن: "وأعطاه سلطانًا أن يَدين أيضًا، لأنّه ابن الإنسان" (يو ٢٧:٥-٣٠).

ملاحظة: تبقى كلّ هذه الأمور تشابيه بشريّة محدودة للاهوتٍ إلهيّ يفوق الوصف والتعبير وتعجز عنه الكلمات، من هنا نلاحظ عبارات "مثل ابن إنسان"، تمامًا مثل تعابير الظهور الإلهيّ في العهد الجديد "مثل حمامة" (مرقس١٠:١- مت ١٦:٣)، و"بهيئة جسميّة مثل حمامة" (لوقا ٢١:٣)، وأيضًا في العنصرة "ألسنة منقسمة كأنّها من نار" (أع٢:٢). عبارة "أنا هو" كان واضحًا تمام الوضوح عند اليهود أن المبارك وابنه كلاهما واحد في الجوهر قبل الزمان وأزليّان، ولا تعني كلمة ابن أيَّ تراتبيّةٍ أو تشبيه عائلي كسائر البشر. سيكون لنا تفسير حول الابن.