لم يكن طرح إستبدال وزراء في ​الحكومة​ جديداً. سبق وأن أوحى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل-بصفته رئيساً للتيار "الوطني الحر" بنيته إجراء تعديل حكومي يطال ثلاثة وزراء من حصة تياره: وزير الدفاع الوطني يعقوب الصرّاف، وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد ​نقولا تويني​، ووزير الإقتصاد ​رائد خوري​. ثم أتت الأزمات المتلاحقة وخصوصا ما يتعلق برئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في ​السعودية​ تؤجل النقاش بالطرح الباسيلي. بعدها إنضم الحريري الى فكرة باسيل مستنداً الى رغبته إستبدال وزيرين: الاتصالات ​جمال الجراح​، وشؤون النازحين ​معين المرعبي​ اللذين دارت حول أدائهما أسئلة بشأن مخالفة "التعليمات المستقبلية" إبّان أزمة "الشيخ سعد"، إضافة الى تباينات حول ملفات سياسية وحكومية غردا فيها خارج بيت الوسط.

في الأساس، لم يستطع باسيل فرض فكرة إستبعاد وزير الاقتصاد الذي سمتّه إبنة رئيس الجمهورية ميراي عون ويُقال أنها تمنع الإطاحة الباسيلية به حتى الساعة، بينما بقي التعديل وارداً لإستبدال تويني والصراف. من هنا إنطلق وزير الخارجية مصرّاً على طرحه، يلاقيه رئيس الحكومة الذي تحدث في لقاءات ضيقة عن نيته إستبعاد المرعبي والجرّاح، لتنضم فكرة استبدال وزراء "القوات" أيضاً بآخرين، بعد اتهامهم بالتخلي عن الحريري خلال أزمته العابرة. إنتظر الجميع إعلان رئيس حزب "القوات" ​سمير جعجع​ إستقالة وزرائه من الحكومة لإجراء التعديل العريض، لكنه لم يفعل بعدما وصلت الى معراب معلومات عن طرح تعيين وزراء كتائبيين أو آخرين مكان وزرائه في حقائب: الصحة والاعلام والشؤون الاجتماعية. لم يشكّل ثبات جعجع تراجعاً عن فكرة التعديل الحكومي، رغم تردد الحريري في إجرائها، بعدما سمع نصائح سياسية بعدم الإقدام على تلك الخطوة قبل أشهر قليلة من الانتخابات النيابية لأسباب عدة:

*إستبعاد "القوات" سيولّد تعاطفاً مسيحياً مع جعجع ويصنع له خطاباً انتخابياً عالي النبرة يخدم "القوات" في الحملات الانتخابية نسبياً.

*الإطاحة بوزراء من "المستقبل" يعزز من خطاب الوزير السابق ​أشرف ريفي​ ويقوّي موقف "الصقور" في الساحة السنية.

أي إجراء تعديلي بهذا الحجم يحتاج الى موافقة ثلثي الحكومة، في ظل معارضة حركة "أمل" و "​حزب الله​" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​" و"المردة" و"القومي السوري" و"​الديمقراطي اللبناني​" لخطوة التعديل قبل الانتخابات النيابية.

مجرد هز الاستقرار الحكومي هو شراء مشكلة إضافية، يقول المطّلعون: نحن بالغنى عنها.

رغم تلك الأسباب، لا يبدو أن باسيل تراجع عن فكرته، فيما إستفاد الحريري من أجوائها لإبقاء التهديد قائماً ومنع الجرّاح مثلاً من التفرد بقراراته في وزارة الاتصالات وفرض عودته الى بيت الوسط بشأن كل قرار استراتيجي بقطاع الاتصالات.

فهل يتم التعديل الحكومي؟.

النقاش قد يستمر لأيام فقط قبل طي الملف، لأن الحكومة ستذهب مع القوى السياسية الى التفرغ للانتخابات بعد عطلة الأعياد المجيدة التي تحلّ أجواؤها خلال ثلاثة أسابيع. بعدها لا مساحة للتفكير بالتعديل، بل كل النقاش سينصّب أساساً على التحالفات الانتخابية وتوزيع الأسماء. سيكون الكل مضطراً على التسمية باكراً تحضيراً لانتخابات تعتمد قانوناً نسبياً يحتوي الصوت التفضيلي. لا مصلحة ولا وقت يسمح بالدخول في نزاع سياسي حول التعديل الحكومي. لكن المطّلعين أنفسهم يستبعدون أن تخرّب فكرة التعديل الأجواء السياسية التضامنية التي تولّدت بعد أزمة الحريري. العنوان الأساسي أكبر من تفصيل حكومي. ليدور البحث جديا" حول فكرة جمع القوى المتضامنة في لوائح موحّدة أو منسجمة مع بعضها. من هنا تتحدث المعلومات عن التحضير لمصالحات سياسية وغسيل قلوب ستتوّج بين "المردة" و"الوطني الحر". هناك من يجزم بأنهما لن يذهبا الى الانتخابات الاّ بإنسجام ووفاق تام يرعاه "حزب الله".

بالنسبة الى رعاة تلك الأجواء التضامنية الوطنية: الوقت لترسيخ لم الشمل، لا لإبتكار محطات الفصل.