انطلقت الماكينات الانتخابية فعليا في عملها نهاية الأسبوع الماضي بعدما كانت قد علّقت استعداداتها للاستحقاق النيابي بعيد تقديم رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ استقالته ودخول البلاد في أزمة سياسية، رجّح البعض ان تطيح بالانتخابات وتمهد لتمديد رابع يمر بسلاسة كالتمديدات السابقة دون عراقيل تُذكر. الا ان استدراك القوى السياسية الوضع وتكتلها مرة جديدة لانقاذ التسوية التي أتت بالعماد ​ميشال عون​ رئيسا للبلاد، وعودة رئيس الحكومة عن استقالته والأهم خروج وزير الداخلية ​نهاد المشنوق​ لدعوة الهيئات الناخبة في ​لبنان​ للاقتراع في 6 أيار المقبل، كلها عوامل أرخت نوعا من الطمأنينة، كما تركت انطباعا جديا باقتناع معظم الفرقاء بوجوب اجراء الانتخابات في موعدها، ما جعل الأحزاب تستنفر لاتمام ما فاتها من تحضيرات، وان كان هذا الاستنفار ظلّ داخليا، على أن يتحول علنيًّا في الأسبوعين الأولين من العام المقبل، مع انطلاق العمل في الشارع والاحتكاك المباشر مع الناخبين.

وبدا لافتا أن رئيس الحكومة وتيار "المستقبل" سعد الحريري كان السبّاق للاعلان عن فحوى برنامجه الانتخابي، وان كان بشكل غير رسمي، حين قال ان الانتخابات النيابية المقبلة ستكون بين خطّين، "من يريد الاستقرار والأمن والاقتصاد ومن يريد فقط الصراخ والمزايدة على سعد الحريري لتحصيل مكاسب بعيدة المنال"، وهو برنامج بعيد كل البعد عن ذلك الذي اعتادته قواعد "المستقبل" وخاصة في الانتخابات الأخيرة التي شهدتها البلاد في العام 2009، حين كان ملف سلاح ​حزب الله​ هو المحرك الرئيسي للناخبين.

ويمهد الحريري باعلانه هذا لقيام تحالف سياسي عريض، خاصة بعدما بات شبه محسوم ان "المستقبل" و"الوطني الحر" سيخوضان المعركة المقبلة يدا بيد، وان لم يكونا على لوائح موحدة في المناطق كافة. وتشير المعلومات الى امكانية ان يضمّ التحالف العريض الى القطبين المسيحي والسني، الثنائي الشيعي و​الحزب التقدمي الاشتراكي​، وان كان ذلك لن يعلن بشكل رسمي، حفاظا على ماء وجه الحريري، الا أنّه سيكون أمرا واقعا مع ترجيح تولّي "الوطني الحر" التنسيق بين حليفيه، اي "المستقبل" و"حزب الله" لضمان تفادي المواجهة بينهما في معظم المناطق خاصة بعدما بات المشروعان الانتخابيان للفريقين شبه موحدين على تحقيق الاستقرار والأمن والنهوض بالاقتصاد.

وسيسهل هذا التحالف على أخصام الحريري بلورة مشروعهم الانتخابي الذي لا شك سيتمسك أكثر من أي وقت مضى بـ"تحييد لبنان عن الصراعات الخارجيّة من خلال تصويبه على تدخلات حزب الله في شؤون الدول العربية، وانتقاده لاستسلام "المستقبل" لقوّة الأمر الواقع المتمثّلة بالحزب واتّباع سياسة المساومة". وتوحي المعطيات الحالية ان هذا التحالف سيضم الى "​الكتائب اللبنانية​"، حزب "القوات" الذي من المرجح ان يقدم وزراؤه على تقديم استقالاتهم قبل شهرين او 3 من موعد الانتخابات، الى جانب شخصيّات بارزة في قوى ​14 آذار​ وأبرزها اللواء ​أشرف ريفي​ والنائب السابق ​فارس سعيد​. ويبدو واضحا ان المهمة التي سيخوضونها لن تكون بالسهلة على الاطلاق، خصوصًا وان تحالفا ثالثا دخل على خط المعركة الانتخابية، وهو تحالف مجموعات ​المجتمع المدني​ التي تحمل طروحات تستهوي قسما كبيرا من اللبنانيين ولعل أبرزها تقديم هذه المجموعات نفسها كبديل عن كل الأحزاب الحاكمة والتي تم اختبارها مرارا وتكرارا.

وبالرغم من امكانية مسارعة "المستقبل" و"حزب الله" على حد سواء لنفي كل المعلومات التي تتحدث عن تحالف غير مباشر بينهما في الانتخابات المقبلة، الا أنّهما لن يجدا تفسيرا يقدمانه لجمهوريهما حين ستتقاطع بنود مشروعيهما الانتخابيين وحين تتحول المعركة لمواجهة مفتوحة ومعلنة بين الأحزاب الممسكة حاليا بالسلطة وتلك الساعية لدخول جنة الحكم.