انتهى العام 2017 من دون أن يحصل اللقاء المنتظر بين رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس حزب "​القوات اللبنانية​" ​سمير جعجع​، رغم كمّ الأجواء الإيجابية التي حاول القياديون "القواتيون" تسريبها خلال الأيام الأخيرة من العام الماضي، وصولاً لحدّ اعتبار "سلّة الشوكولا" التي أتت إلى معراب بمناسبة الأعياد من دون أيّ "بحصة" في زواياها رسالةً بالغة الدلالة والمعاني.

وفي حين يتوقّع أن تتكثّف الاتصالات بين قيادتي "القوات" و"المستقبل" في الأيام المقبلة لتأمين حصول هذا اللقاء في وقتٍ قريب، فإنّ هناك من بدأ يرجّح حصول لقاءٍ بين الحريري ورئيس حزب "الكتائب" ​سامي الجميل​ يكسر "قطيعة" بدأت منذ تشكيل الحكومة تقريبًا، وتطوّرت سريعًا بشكل دراماتيكي، فأيّ اللقاءين يسبق الآخر؟!.

لقاء قريب ولكن...

تشير كلّ المعطيات إلى أنّ الاتصالات بين قيادتي "​تيار المستقبل​" و"القوات اللبنانية"، الناشطة منذ عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت، قطعت شوطاً كبيراً، وإن لم تؤدّ إلى حصول اللقاء المنتظر بين "الشيخ سعد" و"الحكيم" حتى الساعة، وهي على الأقلّ أدّت إلى تجميد "البحصة الشهيرة" التي كان الحريري قد أعلن استعداده لبقّها، أو بالحدّ الأدنى تحييد "القوات" عنها بعدما اعتُبِرت المقصودة بكلام الحريري للوهلة الأولى.

ولعلّ التصريحات التي صدرت في الأيام الأخيرة عن قياديي كل من "المستقبل" و"القوات" تعزّز فرضية حصول اللقاء في وقتٍ قريب، خصوصًا مع تراجع التيار "الأزرق" عن الهجوم المباشر على "القوات" والتصويب على أدائها خلال مرحلة "محنة" رئيس الحكومة إثر استقالته المريبة في المملكة العربية السعودية قبل تراجعه عنها في بيروت، وتأكيد مسؤولي الجانبين الحرص على الحفاظ على العلاقة التاريخية بينهما، رغم وجود بعض "التحفظات" هنا وهنالك، التي لا يفترض أن تقدّم أو تؤخّر، أو أن تفسد في الودّ قضيّة.

وإذا كان اللقاء بين الحريري وجعجع بات وشيكًا، فإنّ ذلك لا يعني أنّ "أزمة الثقة" التي تولّدت بين الجانبين قد انتهت فصولاً، إذ يشير العارفون إلى أنّ هذه الأزمة لا تزال حاضرة بكلّ قوتها في أدبيّات الفريقين، وإن حاولا إخفاءها بشكلٍ أو بآخر. وهناك من يقول في هذا السياق إنّ جناحًا واسعًا في "القوات" بدأ يعبّر علنًا عن رفضه لأيّ انفتاحٍ "مجاني" على "المستقبل" بعد الذي حصل، ويعتبر أصحاب هذا الرأي أنّ "المستقبل" لم يقابل "يدهم الممدودة" بالمثل، بل تعامل معهم بشكلٍ مهينٍ، متبنيًا وجهة نظر "الخصوم"، الذين لم يتردّد بعضهم في اتهام "القوات" بالتواطؤ ضدّ رئيس الحكومة.

ومن هنا، فإنّ كلّ المعلومات توحي بأنّ اللقاء المنتظر بين "الشيخ سعد" و"الحكيم"، ولو حصل اليوم قبل الغد، لن يؤدي تلقائيًا لإعادة الاعتبار للتحالف الذي كان قائمًا بين الجانبين، سواء سياسيًا أو حتى انتخابيًا، خصوصًا بعد شعور "القوات" بأنّ "المستقبل" بات يعطي الأولوية لتحالفه مع "​التيار الوطني الحر​" على حساب التحالف مع "القوات". ويرجّح البعض أن تطالب "القوات" الحريري بتوضيحاتٍ لتصريحات بعض قيادييه ومسؤوليه الذين تناولوا "القوات" في الآونة الأخيرة، للبناء عليها وبمقتضاها، علمًا أنّ "القوات" تقول إنّها مستعدّة لخوض الانتخابات وحيدةً إن اقتضى الأمر، بل إنّها تفضّل ذلك، لأنّها تعتبر أنّ التحالف مع هذا الفريق أو ذلك قد يضرّها أكثر ممّا يفيدها في بعض الدوائر، بفعل ​القانون الانتخابي​ الجديد.

انفتاحٌ ضروريّ...

في المقابل، كان لافتاً الاتصال الهاتفيّ الذي تلقّاه رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل من رئيس الحكومة سعد الحريري خلال الأسبوع الماضي، وهو الاتصال الأول بين الجانبين بعد الاتصال الذي أجراه الجميل بالحريري بعد عودته إلى بيروت وهنّأه فيه بالسلامة. ولعلّ أهمية الاتصال تكمن في كونه أيضًا الأول بعد مرحلة طويلة من "القطيعة" بين الجانبين، التي تحوّلت إلى شخصيّة بامتياز، خصوصًا بعد "مشهد" انسحاب رئيس الحكومة من ​المجلس النيابي​ عندما كان يهمّ الجميل بالكلام، وهو ما تكرّر أكثر من مرّة خلال جلسات مساءلة الحكومة ومناقشتها.

وعلى الرغم من أنّ الاتصال الذي جرى بين الجانبين كان "رسميًا"، وقد تمّ حصره بالتهنئة بالأعياد لا أكثر ولا أقلّ، وبالتالي فإنّ من غير الواقعيّ تحميله أكثر ممّا يحتمل من التفسيرات والتأويلات، فإنّ مجرّد حصول هذا الاتصال يمكن أن يحمل الكثير من المعاني التي يرتبط بعضها أصلاً بـ"القطيعة المستجدّة" بين الحريري و"الشيخ سامي"، خصوصًا أنّ هناك من القيادات "المستقبليّة" من يقول أنّ أداء الجميل، رغم كونه "المعارض شبه الوحيد" للحكومة، كان أفضل بأشواط من أداء جعجع بعيد استقالة الحريري، وهو أثبت عن كفاءةٍ عاليةٍ حينما آثر النأي بالنفس عن الأزمة، وصام عن المؤتمرات الصحافية اليومية طيلة فترة الابتعاد القسريّ للحريري.

ولأنّ الحريري يحرص أيضًا، ومنذ عودته إلى بيروت، على إبداء الانفتاح على مختلف الأفرقاء، فإنّ هناك من يعتبر الاتصال بالجميل مقدّمة للقاءٍ ثنائيّ قد يحصل في وقتٍ غير بعيدٍ، وقد يحمل عنوان التهنئة بالأعياد أيضًا، بحيث يحصل فيه "كسر الجليد" الذي وصل إلى ذروته بين الجانبين في الآونة الأخيرة، والذي يدرك كلٌّ من الحريري والجميل أنّه ليس في مصلحتهما على الإطلاق، بمُعزَلٍ عن الاتجاهات السياسية للجانبين، والتي قد أصابها التباعد على أكثر من مستوى، خصوصًا بعد التسوية الرئاسية التي عارضها الجميل بالمطلق.

وهنا أيضًا، فإنّ حصول اللقاء بين الحريري والجميل لا يعني تلقائيًا انتهاء الخلافات بينهما، باعتبار أنّ كلّ المتابعين يستبعدون إمكانية أن يترجم اتفاقهما، في حال حصوله، تحالفاً انتخابيًا كاملاً وشاملاً، خصوصًا بعدما رسم النائب الجميل لنفسه خطاً مستقلاً لا يُعتقَد أنّه سيحيد عنه بسهولة، وقوامه التقارب من قوى ​المجتمع المدني​، والتي نسج مع العديد منها تحالفات يُنتظَر أن تبصر النور عشيّة الانتخابات النيابية المقبلة، وهو أطلق في الآونة الأخيرة الكثير من الشعارات التي تنسجم مع هذا الخط، ما جعله يكسب تأييدًا شعبيًا، حتى من جانب المستقلّين المعترضين على الأحزاب برمّتها، والذين لطالما رفعوا عنوان "كلن يعني كلن".

ليس سباقاً...

قد يحصل لقاء الحريري-الجميل قبل لقاء الحريري-جعجع، وقد يحصل لقاء الحريري-جعجع قبل لقاء الحريري-الجميل، وقد يحصل أحد اللقاءين أو كلاهما. ليست هذه هي الإشكاليّة، إذ إنّ المسألة ليست قصّة "أسبقية" بين هذا أو ذاك، رغم "رمزيّة" الموضوع، بعد المماطلة الواضحة على خط الاتصالات بين "القوات" و"المستقبل" مثلاً.

القصّة تتعلق بكلّ بساطة بخطٍ سياسيّ لا يزال رماديًا ويفترض أن يتبلور في المرحلة المقبلة، وبتحالفاتٍ يجب أن تُنسَج لتخاض الانتخابات على أساسها، انتخابات قد يكون التغيير الأكبر فيها خوضها من جانب ثلاثي الحريري – الجميل – جعجع كلٌ من ضفته المواجهة للآخر، بعدما خاض هذا الثلاثيّ الانتخابات الأخيرة بتحالفٍ عريض يبدو أنّه لفظ أنفاسه الأخيرة...